الرقّة جوعٌ يقضّ بطون الأهالي

صورٌ تنتشر بين الفينة والأُخرى ترصد وحش الجوع الذي بات يقضُّ بطون السوريين عامّة وأهالي الرقّة على وجه الخصوص، صورٌ تمرّ علينا بمرور أصابعنا على شاشات هواتفنا، ولكن ما تصوره كان قد عشعشَ في بطونهم.
صورةٌ انتشرت مؤخّرًا لرجل يعيش في مدينة الرقّة، حيث أنّ انتشارها لاقى غضبًا على مواقع التواصل الاجتماعيّ ، وخاصّة من أبناء الرقّة، ولكن حال مثل هكذا صور يصبحُ ماضيًا بمجرّد ما اجتاح خبرٌ جديد صفحات التواصل الإجتماعيّ.
ليس هذه الصورة فحسب بل صورٌ كثيرة كانت قد انتشرت ومرّت مرور الكرام تفاعلنا وغضبنا وندّدنا ولكن الجوع لازال يبات في بطون الأهالي من أهل مدينة الرقّة وقاطنيها من مناطق سوريّة أُخرى، وما يميّزّ الرقّة عن باقي المحافظات السوريّة أنّها محافظة زراعيّة بامتياز، وتحتوي على ثروة حيوانيّة متنوّعة، ولكن مع دخول ” قسد” من بعد ” داعش” واللّذَين نهشا الرقّة كما تُنهَش الكعكة كلٌّ لمصلحته، ودولته وكيانه المزعومين، وهو ما أوصل أهالي الرقّة إلى حالٍ يُرثى لها فأصبحت تكابد الجوع وشظف العيش، أسعارٌ تلامس حدود السماء التي لا حدود لها أصلًا، وضيق ذات يدٍ لا تعرف كيف توزّع ما بها من مال على لوازم المعيشة التي تخلّى اهل الرقّة عم كثيرٍ منها واعتبروها من الكماليّات بعدما كانت أساسيّة.

الخبز الذي أصبح طلبه يرافق المذلّة التي باتت شرطًا للحصول عليه، بعد أن كانت الرقّة تملأُ الصوامع السوريّة بالحبوب والقمح


خضار مرتفعة الأسعار خاصّة مع اقتراب فصل الشتاء، والرقّة هي المحافظة التي تصدّر خضارها لجميع المدن السوريّة، اللّحم الذي كان يُدار على موائد الرقيين في الفرح والترح، أصبح الآن لا يُرى ولا حتّى في العيد، الخبز الذي أصبح طلبه يرافق المذلّة التي باتت شرطًا للحصول عليه، بعد أن كانت الرقّة تملأُ الصوامع السوريّة بالحبوب والقمح، فالآن كلّ ما ذُكر من خيرات وثروات زراعيّة وحيوانيّة أصبحت تصدّر إلى العراق والمناطق الكرديّة هناك ، والأهالي ينظرون إلى مقدّرات بلادهم كيف تدخل جيوب “قسد” من أجل إقامة دويلتهم المزعومة، وتحويل أراضيهم الزراعيّة إلى الحشيش الذي تحكم به “قسد” عقول الشباب.


فالرقّة تمرّ كلّ يوم بظرفٍ إقتصاديّ أصعب من سابقه، سواء على الصعيد السياسيّ أو الاقتصاديّ الذي يزداد صعوبَةً يومًا بعد يوم نتيجة السياسة التي تنتهجها ميليشيا ” قسد” من خلال فرض القيود وبشكلٍ يوميّ، والتي باتت تُثقِل كاهل أهل الرقّة، فأسواق المدينة التي كانت توفّر الآلاف من فرص العمل أصبحقسم كبير منها كومة حجارة، باستثناء ما عادَ منها بعد ترميم لقسمٍ منها أسهمَ في تحرّكٍ خجول لاقتصاد البلد ، واليوم نرى أسواق #الرقّة وقد انتعش شيءٌ منها بالبضائع إلّّا أنّ الحركة التجاريّة من بيعٍ وشراء لا تزال ضعيفة خاصّةً وأنّ سعر الدولار يواصل الارتفاع بشكلٍ يوميّ ليُقابِل هذا الارتفاع جشع بعض التجّار الذين أصبح الدولار ديدنهم الذي يتعاملون به بدل اللّيرة السوريّة ، وهو ما يعكس فقدان أمل الأهالي هناك في إيجاد سبيلٍ أو حلّ يتوصّلون من خلاله إلى تأمين قوت يومهم وتحسين اقتصادهم ، وهو ما أدّى إلى ازدياد العاطلين عن العمل ، ممّا اضطرّ الكثير منهم منذ دخول ميليشيا ” قسد” الرقّة إلى العمل في استخراج الحديد وحجر البناء من الأبنية المدمّرة نتيجة قصف التحالف الدولي للرقّة ، إذ يقومون ببيع ما استخرجوه من هذه الموادّ لأطرافٍ أُُخرى تقوم بأعمال الترميم والصيانة على اعتبار أنّها أقلّ ثمنًا من الجديدة ، وتسمّى هذه الظاهرة ب”التعفيش” والتي تتعدّى إلى استخراج ما تبقّى من كهربائيّات وغيرها من أثاث المنازل المتحوّلة إلى ركام ، وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة لمن يعمل بها وذلك بسبب وجود ألغام أو قنابل لم تنفجر بعد.وليس أسوأ من التعفيش سوى ظاهرة التنقيب في القمامة والنفايات والني باتت قوتًا لعوائل بأسرها تعمل في هذا المجال على الرغم من انتشار فيروس ” كورونا” أو حتّى ما هو أخطر من أمراض وأوبئة إلّا أنّ الهدف هو الحصول على لقمةٍ تسدّ جوعهم.
عوائلٌ تعمل صغارها قبل كبارها ، ونساؤها قبل رجالها ، النساء اللّائي تدّعي سلطة الأمر الواقع بحمايتهنّ ، وتوعيتهنّ من أجل حقوقهنّ المغيّبة أصلًا ، في وقتٍ تعمل العشرات منهنّ في مكبّات القمامة من الصباح وحتّى المساء لتحصيل ما قُسِمَ لهنّ من عمل يومٍ طويل.

مدينة لطالما شرّعت أبوابها للملهوفين، فكانت مطمعًا للمتلهفين على سرقتها


وليس الحالُ في مناطق ” قسد” فحسب، بل في منطقة تل أبيض شماليّ الرقّة الواقعة تحت سيطرة ما يُسمّى بالجيش الوطنيّ المدعوم تركيًّا، والذي ليس أفضل حالًا من “قسد”.
صورٌ تأتينا من شوارع الرقّة وأزقتها تُبيّن هشاشة من يسيطر على الرقّة وعجزه عن تأمين أبسط مقوّمات الدولة التي ينشدون ألا وهي” قوت اليوم، وصلب الإنسان، ودوام البلدان”
فأهالي الرقّة اليوم دون دخلٍ يقيهم ذِلّ السؤال، ولا أيّ دعم إنسانيّ من قبل المنظّمات المنتشرة هناك.
أنقاض مدينةٍ متهالكة أصبحت أطلالًا للتنقيب عن لقمة العيش المحفوفة بالمخاطر، مدينة يتسوّل أهلها قوت يومهم، بعد أن كانت ذات يوم مصدر اكتفاء ذاتيّ، ومصدّرًا للغذاء كونها ذات طابع زراعيّ، مدينة لطالما شرّعت أبوابها للملهوفين، فكانت مطمعًا للمتلهفين على سرقتها .