الرقة تذبح بصمت – قراءة في أحداث الاسبوع

عمران الطفل الذي عرّى العالم على حقيقته، الراعي بيد الثوار مجدداً، هل يصبح همدان للروس كأنجرليك لأمريكا؟، مصر إلى أين؟ .

تحليل هذه الأخبار وغيرها في”قراءة في أحداث الأسبوع”

عمران الطفل الذي عرّى العالم على حقيقته

جلس صامتاً ببراءة الطفولة مذهولاً مشدوهاً من هول المشهد، وحاول بيده الناعمة نفض الغبار ليجده ممزوجاً بدمه، نظر ليده ليزداد الموقف تراجيديا ولا سيما بعد إحضار زميل ثانٍ وثالث، لم يصرخ عمران، لم يبك، لم ينطق بحرف، فكل الصرخات ضائعة، والدموع جفت من كثرة البكاء، وكل الكلمات عبثية، فكان صمته ملائكياً أمام صمتٍ دولي شيطاني، وكان صراخ صمته أقوى من طائرات الروس والأسد التي ما تفتأ تخطف أرواح السوريين.

كان عمران طفلاً سورياً محظوظاً لكونه خرج سليماً، ووجد سيارة إسعاف تسعفه، فغيره الآلاف لم يجدوا من يخرجهم من تحت الأنقاض ويسعفهم، وغيره الآلاف فقدوا أطرافاً أو أصيبوا بعاهة، وغيره آلاف غدوا أيتام، وغيره ملايين حرموا من أبسط حقوق الطفولة بالتعليم والعيش الكريم.

عرّت صورة عمران الروس والعالم أجمع، هذا العالم العفن الذي ترك الإرهاب الحقيقي ليشنّ حرباً كاذبة على الإنسان السوري، الطفل السوري، المرأة السورية، رأينا عمران ولم نر إخوته جيرانه أمه أبيه، رأينا جزءاً من المأساة كفيلة بفعل ما لو بقي بقية ضمير، فكيف بمن يرى مأساة السوريين بكل تفاصيلها!.

يدفع السوريون ثمناً باهظاً لأنهم فقط طالبوا بحرية وكرامة، فصب عليهم الأسد والإقليم والقوى الدولية والقوى الإرهابية والتكفيرية حقدهم، فالنظام والروس والإيرانيون وتنظيم داعش وغيره من تنظيمات إرهابية يمارسون أفظع الجرائم بحق السوريين في ظل صمت دولي يدل على رضا بما يحصل بل تواطؤ ومشاركة غير مباشرة بالقتل.

عمران أيقونة جديدة لأيقونات ثورة صنعت المستحيل، وصمدت في وجه المستحيل، ومستحيل أن تهزم.

عمران الصورة الفضيحة

يدرك السوريون مقدار انحياز بعض القنوات التلفزيونية لنظام الإجرام الأسدي، لكن أن يصل الانحدار لهذا المستوى فذلك يضع كثيراً من إشارات الاستفهام والتعجب.

فلما لم تجد هذه القنوات بداً من عرض صورة عمران التي غزت العالم عرضتها بطريقة مخزية، إذ قُيدت الجريمة ضد مجهول، وربما لو امتلك الحر طائرة لما وجدت غضاضة باتهام الثوار، ولها سابقات في ذلك، فكثيراً ما يتهم الثوار بعمليات قصف قام بها النظام للمدنيين في مناطق سيطرته لتحقيق مكسب ما.

تقييد الجريمة ضد مجهول يندرج في إطار سياسة ممنهجة للإعلام الغربي الموجه من قبل حكوماته. الذي يصور ما يجري في سورية أنه حرب أهلية بين قوى معتدلة الكفة، أو أنه حرب ضد تنظيمات إرهابية تكفيرية، يأخذ هذا الإعلام جزءاً من الحقيقة ليضلل به الرأي العام بالغرب، فإذا عرفت الشعوب الغربية ما يحصل حقيقة في سورية فإنها لن تصمت، وستدفع حكوماتها لوضع حد للمأساة السورية، وهذا حقيقة ما لا تريده الحكومات الغربية، فقد فعلها أوباما قبل هذه القنوات وقيّد جريمة الكيماوي ضد مجهول، وبذالك أسهم المجتمع الدولي وإعلامه بتلميع صورة الأسد، وبالتالي زيادة منسوب الإجرام، ودعم التطرف بكل أشكاله

تقييد جريمة قصف عمران ضد مجهول جريمة أخلاقية، وتنكر للمهنية الإعلامية، ودعم للقاتل لكي يرتكب المزيد. ومن يتتبع مصطلحات بعض المحطات يجدها فعلاً شريكة بالإجرام، فعندما تقصف الطائرات الروسية والسورية المدنيين الآمنين تقول: تمّ قصف المعارضة المسلحة، وهذا تضليل ما بعده تضليل، ولو كانت مهنية لذكرت أنه تم قصف مدنيين في مناطق المعارضة المسلحة.

لقد أسقط عمران الكثير، وكان صمته أبلغ وأعلى من صوت اعلام “الممانعة” واصدقائه، وأخرس صمته دعاة الإنسانية وفضحهم.

الراعي بيد الثوار مجدداً

سيطر الثوار على مدينة الراعي الحدودية القريبة من مدينتي الباب وجرابلس.

أعاد الثوار السيطرة على مدينة الراعي بعد معارك شرسة مع تنظيم الدولة استمرت لعدة أيام، وقد سبق أن سيطر الثوار قبل شهور على المدينة. ليسارع التنظيم ويخرجهم منها بعد أيام، وشهدت معارك السيطرة على المدينة سقوط أعداد كبيرة من الدواعش، ومقاومة شرسة استخدم فيها التنظيم ثلاث مفخخات لم تؤد لنتيجة.

وتشير مصادر من المنطقة لحالة انهيار معنوية في صفوف الدواعش بعد خسارة منبج، وأفاد بعض الثوار المشاركون في معركة الراعي لضعف واضح في صفوف التنظيم، فقسم لا بأس به من المقاتلين صغار بالسن، ومكره على القتال، وتأتي أهمية الراعي من كونها نقطة انطلاق الثوار نحو مدينتي الباب وجرابلس على حد سواء، وبالتالي الوقوف حجر عثرة أمام المشروع الكردي الانفصالي، ونقطة البداية لدحر قسد شرق الفرات، وبالتالي استعادة ثوار الريف الشرقي عافيتهم.

وقد حظيت المعركة بدعم تركي عسكري وسياسي، فتركيا حريصة على سيطرة الثوار على المناطق بين جرابلس وأعزاز منعاً لوصل عين العرب بعفرين، وبالتالي بناء كانتون كردي.

لم يكن الدعم العسكري وفق المطلوب والمأمول، ورغم ذلك ألحق الثوار هزيمة فادحة بداعش، ولم ينجح التنظيم رغم المحاولات باستعادة المدينة إذ يدرك التنظيم أنه بات في موقف لا يحسد عليه، وهذا ما يفسر شراسته بالدفاع عنها، ومحاولة استعادتها، والسباق الآن بين الثوار وقسد حثيث للسيطرة على مناطق التنظيم، مما يدع الموقف التركي على المحك فهذه فرصتهم الأخيرة لمنع الكيان الكردي، فأمريكا لم تف لها بأي تعهد، وآخرها تعهد انسحاب الكرد من منبج فور السيطرة عليها، فهم بدلاً من سحب قواتهم يحاولون طرد العرب الذين شاركوا بالسيطرة على منبج والتوجه غرباً نحو مدينة الباب.

الموت تعذيباً

أصدرت منظمة العفو تقريراً يفيد بموت 18 ألف سوري تحت التعذيب منذ اندلاع الثورة السورية.

لا يدرك حجم المعاناة في السجون السورية إلا من عاشها، فمهما كان السجين الناجي بليغاً فإنه يعجز عن وصف الحالة، وإيصال الحالة الشعورية النفسية للمستمع، ولا نبالغ إذا قلنا إن الموت بالقصف وتمزقك لأشلاء أرحم ألف مرة من الموت تعذيباً في سجون الأسد، فالجرعة الكبيرة من الإذلال والتعذيب الجسدي تفوق الوصف، وربما هذا ما يعرفه السوريون جميعاً، وربما هذا ما دفع كثيراً من الفئة الصامتة للهجرة، فالسوريون موقنون أن أكثر من 90% من المساجين أو من يموت تحت التعذيب لا علاقة لهم بالثورة. فالتعذيب سياسة ممنهجة من سلطة الاستبداد لنشر الرعب والخوف بين السوريين، ولا بد من الإشارة أن رقم 18 ألف رغم هوله رقم متواضع، فالحقيقة أعظم كثيراً مما ذكر في التقرير.

ونقول هنا: إذا كان التقرير صادراً من منظمة دولية غربية مشهود لها بالنزاهة، فعلامَ يسكت الغرب؟ ولماذا لا يضع حداً لإرهاب الأسد؟ لماذا يعتبر نظامه نظاماً شرعياً؟! ألا يعلم الغرب أن الأسد منبع الإرهاب أم أنه يعلم، ولكن له أهدافه ومشاريعه الخاصة التي لا علاقة لها بحرية الإنسان السوري وكرامته؟ّ!

ورغم ذلك يبقى في الغرب أصوات إنسانية تقول الحق، وتدعو لإنصاف المظلوم.

هل يصبح همدان للروس كأنجرليك لأمريكا؟

روسيا تنشر قاذفات في قاعدة إيرانية وتوجه منها ضربات لسورية.

شنت قاذفات توبوليف22 غارات جوية في سورية انطلاقاً من مطار همدان الإيراني الذي تحول لقاعدة تنطلق منها الطائرات الروسية رغم نفي مسؤولين إيرانيين تحوله لقاعدة عسكرية، فذلك يخالف الدستور الإيراني الذي يمنع قواعد عسكرية أجنبية، وبدا لافتاً البرود الأمريكي تجاه الخطوة الروسية، إذ وصفت ذلك بالأمر المؤسف، وقالت ربما يخالف قرار مجلس الأمن.

لا شك أن للخطوة مغزاها السياسي والعسكري، فروسيا التي تمتلك قاعدة حميميم ليست بحاجة لمطار همدان، ولا لهذه القاذفات الاستراتيجية ولكنها أرادت تجريب أسلحتها على السوريين، وتسجيل نقاط قوة في الإقليم والمجتمع الدولي على حساب دماء السوريين أيضاً، فروسيا تريد أن تقول لأمريكا إني لا أسحب حليفك التركي لجانبي وحسب، بل بإمكاني بناء تحالفات في الإقليم مع قوى إقليمية مؤثرة.

كما يظهر الأمر حجم الخضوع الإيراني لروسيا، فإيران لا تستطيع رفض الطلب الروسي، وانحيازها للأسد كان خطأً استراتيجياً، وجعلها تتحول من لاعب إقليمي قوي إلى ملعوب به من قبل قوة دولية.

مصر إلى أين؟

السلطات المصرية تضع حمدين صباحي وأبو الفتوح على قوائم الترقب والوصول بالمطارات والموانئ، والقبض عليهم لدى عودتهما لمصر بتهمة التخابر مع حزب الله، هل فعلاً سيحاكمها القضاء المصري بتهمة التخابر أم أنّ سلطة الانقلاب بدأت بتصفية شهود الزور، والأدوات التي جمّلت وجهها الانقلابي؟!

لماذا تفتح هذه القضية، وغيرها بعد مرور ثلاث سنوات على انقلاب عسكري يمر قادته من فشل لآخر على كافة المستويات، فالأداء السياسي للانقلابيين في الحضيض، فهذا سامح شكري وزير الخارجية يدعي أن حكومته لا تنتهج سياسة معادية لتركيا، ونسي أن حكومته عطلت بياناً من مجلس الأمن يدين محاولة الانقلاب في تركيا.

وقام شكري نفسه بزيارة لحكومة العراق الإيرانية في تحد سافر لمشاعر العراقيين، والحكومات الخليجية التي دعمت انقلابه. وهذا إن دل فإنما يدل على حجم التخبط السياسي، وتتصف العلاقة مع إسرائيل وحدها بالاستقرار، ويترحم المصريون على الحريات زمن مبارك الذي ترك هامشاً من الحرية الإعلامية.

ومن الناحية الاقتصادية يزداد الفقير فقراً، وتزداد نسبة الفقراء في بلد ينبغي أن يكون قاطرة العالم العربي والإفريقي، ولن تنتج هذه السياسة إلا مزيداً من الناقمين الذين سيتحولون قريباً لثوار يطيحون بالانقلاب وزمرته. فمصر تستحق حكومة منبثقة من الشعب تحقق مصالح الشعب وتعمل للشعب. ونرى ذلك قريباً فالانقلاب محكوم بسياسة الخوف مما جعله يأكل أذرعه وأدواته.