مسرحية جديدة في الحسكة أم انتهت المصالح؟

الرقة تذبح بصمت

وقوع اشتباكات وصفت بالأعنف بين قوات النظام وقوات الأسايش في محافظة الحسكة تسفر عن وقوع قتلى.

تصاعدت حدة الاشتباكات بين الطرفين، واتهم كل طرف الآخر ببدء الاعتداء، ونتيجة الاشتباكات الحاصلة فرضت قوات حماية الشعب الكردية السيطرة على مبنى البريد ومعهد المراقبين وكلية الهندسة المدنية والاقتصاد وحي النشوة في المدينة. وهناك أنباء عن استعادة النظام السيطرة على حي الزهور وكلية الاقتصاد، وما تزال خارطة السيطرة متغيرة نظراً لتواصل الاشتباكات، وتسببت الاشتباكات فضلاً عن سقوط عشرات القتلى في صفوف المدنيين في نزوح آلاف السكان.

وقد شهدت الاشتباكات الحالية جملة أمور تجعلها مختلفة عن سابقتها، ولعل أبرزها استخدام النظام الطيران في قصف مناطق سيطرة الكرد، وتحليق طيران التحالف لحماية قواته الموجودة على الأرض في محافظة الحسكة، وإرساله مزيداً من القوات للمدينة للسبب ذاته.

كما صدر للمرة الأولى بيان عسكري عن القيادة العامة لجيش النظام، وبدا لافتاً المصطلحات المستخدمة في البيان “صعّد الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني الآسايش في الآونة الأخيرة من أعماله الاستفزازية في مدينة الحسكة”.

اعتراف النظام بأن قوات الحماية فصيل تابع لحزب إرهابي (حزب العمال) مؤشر مهم على مستجدات جديدة، فطالما وصفها النظام بالمعارضة الوطنية المعتدلة، يشير ما سبق لأمرين، استجابة النظام لمطالب روسيا بتقليم أظافر الكرد بناء على تفاهمات تركية روسية جرت أثناء لقاء أردوغان بوتين، والاحتمال الثاني وهو المرجح تمرد قوات حماية الشعب على النظام السوري الذي صنعها ورعاها تماماً كداعش، ولم يدر بخلده أن يكون لها هذه القوة وهذه التحالفات الدولية مع أمريكا والغرب، فقد شارك البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون وغيرهم في السيطرة على منبج.

وبما أن النظام بعثي قومي فلم يجد بداً من التغطية على فشله وخيانته إلا هذه الطريقة، فحال النظام يقول لمؤيديه: فعلت ما بوسعي لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي الانفصالي، واستخدمت الطيران والمدافع، لكنّ الإمبريالية العالمية بزعامة أمريكا تحمي الإرهابيين الانفصاليين وتمكنهم من تقسيم لا أرضاه.

بينما الحقيقة خلاف ذلك، فالنظام هو من صنعها ومدها بأسباب القوة، بل وما يزال يتعاون معها عسكرياً وأمنياً في حلب وريفها، فمشروع الكانتون الكردي يتم برضا النظام، وبمباركة دولية، وتبقى تركيا والثوار العقبة الوحيدة أمام هذا المشروع، وبالمقابل كشفت أحداث الحسكة مدى عمالة قوات حماية الشعب وارتمائها في أحضان الآخرين تنفيذاً لمشروعها الخاص، وبدا واضحاً أن الطريق الثالث الذي اختارته قوات حماية الشعب في استنزاف الكل، والاستفادة من الكل للانفصال عن سورية.

وظهر كذلك حجم التقرب الأمريكي من قوات الحماية الكردية وتوابعها، فأجبرت الأحداث الأخيرة أمريكا على الاعتراف بوجود قوات عسكرية وقواعد لها على الأرض السورية في مناطق لا وجود لداعش فيها، مما يثير أسئلة حول هدف هذه القوات حقيقة، ويكشف هذا الوجود تعاون أمريكا مع تنظيم إرهابي (حزب العمال الكردستاني) ولا شك أن ذلك سيدفع العلاقات التركية نحو مزيد من التأزم.

وكشفت أحداث الحسكة أنّ الدور الأمريكي له أهداف عميقة في المنطقة برمتها خلافاً للروس السطحيين الذين يقتصر دورهم على التدمير والتخريب، فالعلاقة الوثيقة حقيقة هي بين أمريكا والكرد لا الروس والكرد، وينبغي أن ينتبه السوريون جيداً لهذا المشروع، فالنظام الذي هجّر نصف سكان سورية، وقتل أكثر من نصف مليون، ودمر المدن والقرى، وجلب كل قاذورات الدنيا لقتل السوريين، وصنع الإرهاب الداعشي ودعم إرهاب حزب العمال الكردستاني اللذان مزقا مع الأسد النسيج الوطني لا يكترث بالتقسيم بل يسعى له، والبيان الذي أصدره جيشه يعطيه البراءة التي أعطاها كلام إخوة يوسف عن أكل الذئب له. فينبغي أن تنصب الجهود كلها، وتفتح القنوات مع الكرد الشرفاء الوطنيين وكل القوى الوطنية في الداخل لمنع هذا المشروع.