منشورات في الرقة وتحركات في عين عيسى

منشورات في الرقة وتحركات في عين عيسى
الرقة تذبح بصمت

ألقى الطيران التابع لقوات التحالف الدولي خلال اليومين الفائتين مجموعة جديدة من المنشورات على ريف الرقة الشمالي القريب من منطقة الاشتباكات بين قوات YPG وما يسمى بقوات سورية الديمقراطية من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى، وقد سبق وأن قامت قوات التحالف بإلقاء عدة منشورات في سماء الرقة طيلة الشهور التي أعقبت تدخلها في الصراع الدائر في سورية لمواجهة تنظيم داعش، ولكن الجديد واللافت في هذه المنشورات أنها تطالب وللمرة الأولى المدنيين في الرقة بالخروج من مناطق سيطرة التنظيم، حيث اشتملت على عبارة “حان الوقت الذي طالما انتظرتموه، آن الأوان لمغادرة الرقة”.

وفي الأثناء أفاد مراسل “الرقة تذبح بصمت” في المنطقة بتواجد أكثر من 25 عنصراً من القوات الأمريكية في مدينة عين عيسى شمال الرقة، وأشار أن هذه المجموعة كانت موجودة على الأرض منذ بضعة شهور بغية الاشراف على تدريب المقاتلين وإدارة ومراقبة العمليات العسكرية هناك. وكانت “الرقة تذبح بصمت” قد ذكرت في وقت سابق أن قوات سوريا الديمقراطية والــYPG قد شرعت في إجراء العديد من المناورات وتحريك للآليات والعتاد العسكري الثقيل في عدة اتجاهات في مسعىً للتمويه على تحركها العسكري المرتقب.

وفي التحليل، يبدو أن هذا التحرك الذي ينتظر أن تقوده قوات التحالف سوف يكون محدوداً في منطقة جغرافية صغيرة، ولن يكون حملة عسكرية واسعة النطاق لتحرير كامل الريف الشمالي والوصول إلى مشارف مدينة الرقة كما يشاع، وهذا الاستنتاج ليس ضربا من التنجيم ولكنه مبني على عدة مؤشرات من أرض الواقع، فحجم وأعداد القوات العسكرية التي تتحضر للهجوم ليست بالكم الكافي لشن تحرك عسكري كبير، فهي غير كافية لمواجهة التنظيم في مناطق واسعة كما أنها غير قادرة أيضاً على تغطية مثل هذه المساحات والحفاظ عليها لاحقاً في حال تمكنت من السيطرة عليها.

ومن جهة أخرى فإن قوات الحماية باتت شديدة الحذر في تحركاتها العسكرية شمال الرقة، ولا سيما في ظل الخروقات الأمنية والعسكرية المتعددة التي قام بها التنظيم في فترات سابقة، والتي سبق وأن طالت العمق الاستراتيجي للمناطق التي تسيطر عليها هذه القوات وخاصة في حادثتي تل أبيض وعين العرب، الأمر الذي اعتبر ضربة موجعة لها ومؤشراً على هشاشة الشبكة الأمنية المسؤولة عن تأمين مثل هذه المناطق في ذلك الوقت، مما دفع وحدات الحماية إلى نشر عشرات الحواجز والنقاط الأمنية ومنع المدنيين والسيارات من الدخول إلى تلك المناطق.

ومن جهته فقد عمل تنظيم داعش خلال الفترة السابقة على تعزيز تواجده في المنطقة الشمالية من خلال زيادة عدد عناصره ونشرهم بشكل مكثف داخل القرى والحقول الزراعية المحيطة بها، كما قام في خطوة ثانية بإنشاء العديد من الخنادق والمتاريس وحقول الالغام في المنطقة، ولكن استراتيجية التنظيم التي لا تعتمد كثيراً على الدفاع وتركز على الهجوم المعاكس والمباغت واختراق الخطوط والالتفاف من حولها كانت وما زالت تشكل هاجساً وقلقاً كبيراً وتخيم بظلالها الثقيلة على خطط وتحركات قوات الــ YPG التي باتت تتململ في الآونة الأخيرة من فكرة القتال خارج المناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية.

في ظل كل هذه المعطيات والمؤشرات، كان يجب على من يدعو الأهالي داخل مدينة الرقة وفي محيطها للخروج أو النزوح منها، أن يعمل بشكل جدي ومسبق على توفير ملاذات وطرق آمنة من أجل تأمين وتسهيل حركة الراغبين بالخروج، وتشجيع الآخرين وإقناعهم بجدية التحرك العسكري المزمع والذي يفترض أن لا يأتي لإنقاذهم من براثن التنظيم المتطرف وحسب، بل يجب أن يقدم لهم ضمانات جدية بعدم وقوعهم تحت سيطرة تنظيم متطرف آخر وإن ارتدى جلباباً علمانياً ديمقراطياً فضفاضاً، فقوات الحماية أو “الدواعش الصفر” كما يحلو لبعض سكان الرقة تسميتهم ليسوا بأقل سوءاً من نظرائهم الدواعش الأصليين في عيون وأذهان الكثيرين من أبناء وأهالي الرقة.

وهذه نقطة هامة وجوهرية يجب على قوات التحالف وسواها ممن يريد التدخل للقضاء على داعش أن يصغي لها ويأخذها بعين الاعتبار بشكل جدي، لا أن يقوم بإلقاء بضعة منشورات كنوع من إبراء الذمة وإخلاء المسؤولية عن الخسائر الفادحة التي يمكن أن تطال المدنيين جراء العمليات العسكرية والضربات الجوية التي يعتزمون القيام بها مستقبلاً.