العرب وحرب الوكالة

العرب وحرب الوكالة

خاص – الرقة تذبح بصمت

يشهد عالمنا العربيّ والمنطقة برمّتها اليوم، حرب الجيل الرابع أو الحرب بالوكالة، حيث تواجه القوّة النظاميّة قوى لا نظاميّة، والتي تعد أسخن الحروب الباردة وأكثرها دموية، فالمعالم الجغرافيّة الجديدة للمنطقة بدأت تتوضح من خلال حدود تُرسم بالدّم والنار عبر إقحام الجماعات المسلّحة بغضّ النظر عن كونها إرهابيّة أم معتدلة أم طائفيّة، فالمنطقة بدأت تُقسم إلى مناطق سنيّة وشيعيّة وكرديّة، ناهيك عن تقسيم السنّة أنفسهم بين متشدّدين ومعتدلين.

يرى مراقبون أنّ الأطراف المتصارعة في سوريا تنذر بحرب ذات بعد طائفيّ مذهبيّ، قد يمتدّ لحرب إقليميّة دينيّة، مع وجود حليفي الأسد (روسيا وإيران) اللذين يتبنّيان هذا النوع من الحرب ومحاولتهما جرّ كلّ من السعوديّة وتركيا لإقحامهما في هذا الصراع الدينيّ، فالتمدّد الشيعيّ لم ولن يكتف بما حصده في سوريا والعراق بل إنّه سيتمدّد إلى دول أخرى مجاورة، فإيران لها مشروعها الخاصّ في المنطقة ألا وهو فرض ( السياسة المذهبيّة) و( مذهبة السياسة)، وهو مشروع لطالما سعت إليه منذ عهد بنيّ العباس لتبسط سيطرتها في العراق على اعتبار أنّ عاصمتها تمتدّ من طهران إلى بغداد ولا مانع من أن تمتدّ إلى دمشق وذلك عن طريق وضع يدها على المقامات الشيعيّة واستثمارها.

سوريا وصراع النفوذ :

نلاحظ في ظلّ المتغيّرات التي تعصف بسوريا، أنّ دول النفوذ فيها في حالة تزايد، فالصراع قائم الآن بين روسيا وإيران وبشار وأميركا وقوى المعارضة المعتدلة و داعش، إلّا أنّ الصراع بين روسيا وإيران جعل جهتهم غير موحدة، فالتغيير في سوريا قائم على التغيرات الميدانيّة والديموغرافيّة، فإيران تكثف من وجود الميليشيات التابعة لها من حزب الله والحرس الثوريّ وغيرهم من المرتزقة، بينما يكثّف المحور السنّيّ الذي يتمثّل بالسعوديّة وقطر وتركيّا من دعم المعارضة المعتدلة وتزويدها بالسلاح “الغير فتاك”، في وقت يرى فيه داعش في كلّ الدول المتصارعة على النفوذ في سوريا مكبّاً لإرهابييه وبخاصّة الولايات المتحدة ودول الخليج العربيّ.

ويعد التنظيم بالنسبة لإيران أحد أذرعها الذي يقوم بحرب وكالة عنها من خلال إفراغه لمناطق السنّة وتهجيرهم من خلال عمليات القتل والذبح وإفشاء الرّعب بحقّ أهل السنّة في الشمال والشمال الشرقيّ من سوريا، في حين يتولى حزب الله المهمّة في دمشق وجرود القلمون من خلال تهجير السوريين من مناطق خطّ النار واستبدالهم بإيرانيين لتنفيذ خطّتها الجهنّميّة مرسّخةً نفوذاً إيرانيّاً متماديّاً في المنطقة.
فلطالما حاول العرب وبخاصّةً دول الخليج درء خطر الإرهاب عنها من خلال رمي إرهابييها في أحضان داعش في محاولة للتخلص منهم، ولكن حدث أن بضاعتها رُدّت إليها من خلال قيام داعش مدعوماً بإيران ببعض التفجيرات التي هزّت عرشها مستغلّاً بعض مناطق الضّعف فيها.

فالبيئة الأمنيّة الاستراتيجيّة في منطقة الشرق الأوسط تنطوي على تطورات جيواستراتيجيّة بالغة الخطورة تهدف إلى إقامة مناطق سنيّة وشيعيّة يقوم بها داعش بمساندة إيران تعتبر سوريا والعراق نقطة الانطلاق لتنفيذ هذا المشروع الذي يمتدّ في طريقه لدول الخليج العربيّ مستهدفاً عمق الأمن الإقليمي له، مهدّداً بذلك الهويّة الوطنيّة من خلال تبنيه السياسة المذهبيّة والتي تعتمد على بثّ روح الفتنة، وتفكيك التماسك الوطنيّ، وذلك من خلال تجنيد الشباب العربيّ في صفوفه مسخّراً لذلك التكنولوجيا الحديثة المتمثّلة بوسائل التواصل الاجتماعيّ. فيجب أن يكون للعرب أولويّات تجعلهم يتخطّون خلافاتهم الداخليّة ليخرجوا بموقف عربيّ موحدّ وخاصّة دول الخليج العربيّ التي يجب أن تدرك مدى أهمّيّة وقوفها مجتمعة في وجه التقسيم الإيرانيّ للمنطقة وإلّا فإنّ ارض الميعاد الفارسيّة ستكون على أرضهم، ويكون العرب في هذه الحالة أمام جسوم احتلاليّة جديدة متمثلة بداعش وإيران مشكّلة بذلك همزة قطع بين المحيط والخليج.