الوضع الأمني والإنساني في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتفنيد فكرة استقبال المرحّلين من ألمانيا
قدمت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا الممثل المدني لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عرضاٌ لاستقبال السوريين المرحّلين من ألمانيا بدلا من إعادتهم إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، الأمر الذي يبرز العديد من التحديات والمعوقات الأمنية والإنسانية التي تجعل هذا الطرح غير واقعي وغير مستدام
١- الوضع الأمني في مناطق “قسد”
رغم تصريحات قيادات “الإدارة الذاتية” بشأن الاستقرار النسبي في شمال شرقي سوريا، تشير تقارير حقوقية دولية إلى أن الوضع الأمني في هذه المناطق لا يزال هشًا. فمناطق سيطرة قسد تشهد فلتانًا أمنيًا متزايدًا يتجلى في:
الهجمات المستمرة من خلايا تنظيم داعش: لا تزال مناطق قسد تعاني من وجود خلايا لتنظيم داعش، حيث نفذت هذه الخلايا عمليات اغتيال وهجمات إرهابية، مستهدفة نقاطًا عسكرية وأمنية، بل وامتدت هذه العمليات إلى مدنيين في بعض الحالات. يُقدر وجود أكثر من 10 آلاف مقاتل داعشي محتجزين في سجون قسد، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عائلاتهم المحتجزة في مخيمات مكتظة مثل مخيم الهول، وهو ما يمثل تهديدًا أمنيًا خطيرًا.
التهديد التركي: تتعرض المناطق الحدودية في شمال شرقي سوريا لهجمات مستمرة من تركيا، التي تعتبر قوات “قسد” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة. وقد أسفرت هذه الهجمات عن تدمير بنية تحتية حيوية وزيادة التوتر الأمني.
الاعتقالات التعسفية: تقارير حقوقية، مثل تلك الصادرة عن منظمة العفو الدولية، تسلط الضوء على الحملات الأمنية التي تقوم بها “قسد”، والتي تشمل اعتقالات تعسفية بحق من يعارضون سياساتها أو يُشتبه في تعاونهم مع تنظيم داعش. هذه الاعتقالات غالبًا ما تفتقر إلى الإجراءات القانونية السليمة، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام الإدارة الذاتية بسيادة القانون.
٢- الوضع الإنساني والخدمي
بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تعاني المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” من أزمة إنسانية وخدمية مستمرة:
نقص في الخدمات الأساسية: تعاني المنطقة من نقص حاد في الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه، الكهرباء، والصرف الصحي. وتشير تقارير إلى احتجاجات شعبية واسعة النطاق في عدة مدن تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية، مثل الاحتجاجات التي شهدتها مدينة منبج مؤخرًا. كما شهدت بعض المناطق إضرابًا من قبل العائلات عن إرسال أطفالهم إلى المدارس بسبب عدم رضاهم عن المناهج التعليمية التي تفرضها “الإدارة الذاتية”.
أزمة المخيمات: تحتضن المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” مخيمات ضخمة تؤوي آلاف اللاجئين والنازحين، أبرزها مخيم الهول الذي يُعتبر من أخطر المخيمات في العالم نظرًا لوجود عائلات داعشية فيه. الأوضاع الإنسانية في هذه المخيمات كارثية، حيث يفتقر المقيمون إلى الغذاء والدواء والتعليم والرعاية الصحية الكافية. من غير المعقول أن يتم استقبال المزيد من المرحّلين في ظل هذه الظروف
٣– تحديات إعادة الإعمار والاقتصاد
تطالب “الإدارة الذاتية” بدعم غربي لإعادة إعمار المنطقة، حيث تدّعي أنها تحتوي على 70-80% من الموارد الطبيعية السورية، مثل النفط والغاز والقمح. ومع ذلك، فإن هذه الموارد لم تُترجم إلى تحسينات ملموسة على الأرض. العقوبات الدولية والهجمات التركية المستمرة إضافة للفساد المنتشر بين كوارد مليشيا قسد وممثلها المدني تضعف قدرة “الإدارة الذاتية” على استغلال هذه الموارد بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد المنطقة بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، مما يجعل فكرة استقبال المزيد من اللاجئين دون دعم دولي مكثف غير واقعية.
هل تستطيع “الإدارة الذاتية” استقبال المرحّلين؟
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن فكرة استقبال “الإدارة الذاتية” للاجئين المرحّلين من ألمانيا، وخاصة المشتبه بهم أو المدانين بجرائم، غير قابلة للتنفيذ لأسباب متعددة:
انعدام الاستقرار الأمني: وجود خلايا داعش واستمرار الهجمات التركية تجعل المنطقة غير آمنة لاستقبال أي تدفق جديد من اللاجئين، خاصة من الفئات التي قد تكون متورطة في جرائم.
نقص الخدمات الأساسية: المناطق التي تسيطر عليها “قسد” تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مما يجعل من الصعب توفير حياة كريمة للمرحلين، فضلًا عن وجود عشرات الآلاف من النازحين الذين لم يتمكنوا بعد من العودة إلى ديارهم أو تحسين ظروفهم المعيشية.
الأوضاع القانونية والسياسية المعقدة: لا تحظى “الإدارة الذاتية” باعتراف دولي رسمي، مما يعقد إمكانية عقد اتفاقيات دولية لتوطين اللاجئين. كما أن عدم وجود اتفاق بين ألمانيا والنظام السوري يجعل هذا الخيار أكثر تعقيدًا، خاصة أن دمشق قد تستغل العائدين لإعادة إرسالهم إلى أوروبا، بحسب زعم إلهام أحمد.
بناءً على ما سبق، لا يمكن اعتبار عرض “الإدارة الذاتية” حلًا عمليًا لمشكلة المرحّلين السوريين من ألمانيا. تحتاج هذه المناطق أولاً إلى تحقيق استقرار أمني حقيقي، وتحسين الظروف الإنسانية، والحصول على دعم دولي لإعادة الإعمار قبل أن تكون قادرة على استقبال أعداد جديدة من اللاجئين.