الرقّة بين يدَي الفقر والجوع

لا يمرّ يوم على مدينة الرقّة السوريّة دون مرور ظروف أصعب سواء على الصعيد السياسيّ أو الاقتصاديّ الذي يزداد صعوبَةً يومًا بعد يوم نتيجة السياسة التي تنتهجها ميليشيا ” قسد” من خلال فرض القيود وبشكلٍ يوميّ، والتي باتت تُثقِل كاهل أهل الرقّة، فأسواق المدينة التي كانت توفّر الآلاف من فرص العمل أصبحت كومة حجارة باستثناء ما عادَ منها بعد ترميم لقسمٍ منها أسهمَ في تحرّكٍ خجول لاقتصاد البلد ، واليوم نرى أسواق الرقّة وقد انتعش شيءٌ منها بالبضائع إلّّا أنّ الحركة التجاريّة من بيعٍ وشراء لا تزال ضعيفة خاصّةً وأنّ سعر الدولار يواصل الارتفاع بشكلٍ يوميّ ليُقابِل هذا الارتفاع جشع بعض التجّار الذين أصبح الدولار ديدنهم الذي يتعاملون به بدل اللّيرة السوريّة، وهو ما يعكس فقدان أمل الأهالي هناك في إيجاد سبيلٍ أو حلّ يتوصّلون من خلاله إلى تأمين قوت يومهم وتحسين اقتصادهم، وهو ما أدّى إلى ازدياد العاطلين عن العمل، ممّا اضطرّ الكثير منهم منذ دخول ميليشيا ” قسد” الرقّة إلى العمل في استخراج الحديد وحجر البناء من الأبنية المدمّرة نتيجة قصف التحالف الدولي للرقّة، إذ يقومون ببيع ما استخرجوه من هذه الموادّ لأطرافٍ أُُخرى تقوم بأعمال الترميم والصيانة على اعتبار أنّها أقلّ ثمنًا من الجديدة، وتسمّى هذه الظاهرة ب”التعفيش” والتي تتعدّى إلى استخراج ما تبقّى من كهربائيّات وغيرها من أثاث المنازل المتحوّلة إلى ركام، وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة لمن يعمل بها وذلك بسبب وجود ألغام أو قنابل لم تنفجر بعد.

وليس أسوأ من التعفيش سوى ظاهرة التنقيب في القمامة والنفايات والني باتت قوتًا لعوائل بأسرها تعمل في هذا المجال على الرغم من انتشار فيروس ” كورونا” أو حتّى ما هو أخطر من أمراض وأوبئة إلّا أنّ الهدف هو الحصول على لقمةٍ تسدّ جوعهم.
عوائلٌ تعمل صغارها قبل كبارها، ونساؤها قبل رجالها، النساء اللّائي تدّعي سلطة الأمر الواقع بحمايتهنّ، وتوعيتهنّ من أجل حقوقهنّ المغيّبة أصلًا، في وقتٍ تعمل العشرات منهنّ في مكبّات القمامة من الصباح وحتّى المساء لتحصيل ما قُسِمَ لهنّ من عمل يومٍ طويل.
وليس الحالُ في مناطق ” قسد” فحسب، بل في منطقة تل أبيض شماليّ الرقّة الواقعة تحت سيطرة ما يُسمّى بالجيش الوطنيّ المدعوم تركيًّا، حيث انتشرت مؤخّرًا صورة لامرأة وهي نلتقط بقايا الخضار من مكان الانفجار الأخير في تلّ أبيض، صورة تُبيّن هشاشة من يسيطر على الرقّة وعجزه عم تأمين أبسط مقوّمات الدولة التي ينشدون ألا وهي” قوت اليوم، وصلب الإنسان، ودوام البلدان”.
فأهالي الرقّة اليوم دون دخلٍ يقيهم ذِلّ السؤال، ولا أيّ دعم إنسانيّ من قبل المنظّمات المنتشرة هناك.
انقاض مدينةٍ متهالكة أصبحت أطلالًا للتنقيب عن لقمة العيش المحفوفة بالمخاطر، مدينة يتسوّل أهلها قوت يومهم، بعد أن كانت ذات يوم مصدر اكتفاء ذاتيّ، ومصدّرًا للغذاء كونها ذات طابع زراعيّ، مدينة لطالما شرّعت أبوابها للملهوفين، فكانت مطمعًا للمتلهفين علر سرقتها.