ما أكثَر العبيّ وما أرخص الشيوخ

لجين أحمد – الرقة تذبح بصمت

لطالما عُرِفَت “العباءة” في منطقة الجزيرة السوريّة بأنّها ملبسٌ لشيخ القبيلة و وجيهها، فهي لا تُلبَس إلّا لمن كان أهلًا لها، فهي بالنسبة للرجال يلبسها من كان رأيه محتشمًا أيضًا ويُعرَف بالاتزان والوقار وصاحب حكمة بين الناس، ولكن أصبحت العباءة مظهرًا دارجًا هذه الأيّام ” باستثناء عباءة النساء التي تُعتبر لباس تقليديّ لأهل الجزيرة السوريّة عمومًا ومحافظة الرقّة خصوصًا” فاليوم يلبسها من الرجال من لا يستحقها لا غاية له من لبسها سوى أن يُنادى ” بالشيخ فلان” ولكنّه ما إن يُصادفه خَيَار فيه نفاق إلّا ويُفضَح ما خُفيَ تحت عباءته من جهلٍ وسفاهة فلا ينفعه ثمن العباءة ولا جودتها.
فالعباءة تُورّث بين شيوخ القبائل، وتتَّبع محافظة الرقّة بشكلٍ عامّ هذه العادة فهم يورِّثون عباءة المشيخة لمن يتوسّمون فيه رجاحة العقل، وما يعود من سداد رأيه بالنفع على قبيلته و منطقته، فالمشيخة لا تُسلَّم لمن لديه المال الوفير أو المُلك الكثير، ولكنّها اليوم أصبحت بيد من بهم سفاهة الرأي، وجهلَ العواقب إلّا من استُثنَى.


وبعد شرحٍ عن العباءة لو كان أطول ولكن ضيق المقام عن إطالة الكلام جعلنا نعجل بذكرِ المثال فقد أقدَم أحد شيوخ العشائر المعروفة بريف الطبقة الغربيّ بإهداء عباءة إلى قائد قوّات ميليشيا ” قسد” مظلوم عبدي ، حيث قام وفد من متمشيخيّ عشائر عربيّة وبطلبٍ منهم بزيارة ” عبدي” للبحث حول آخر التطوّرات العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة في المنطقة.
ومع بداية اجتماعهم مع “عبديّ” الذي عُقِد يوم الإثنين 22 يونيو في مدينة الحسكة شمال شرقيّ سوريا ليقوم ممثّل وفد لشيوخ العشائر في الطبقة ” حامد عبد الرحمن الفرج” بإلباس عباءة لعبدي مشيرًا أنّ مصدر العباءة من المملكة إشارةً منه إلى “المملكة السعوديّة” عند سؤال عبدي له عن مصدرها.
وقال حامد الفرج عقب انتهاء الاجتماع ” إنّ اهداء العباءة يدلُّ على أنّنا سلّمنا أمرنا إليه في كلّ شيء، وأنّنا معه دائمًا يدًا بيد ولتقوية روح الأخوة بيننا” حسب زعمه.
هذا وكان نقاش الاجتماع حول انهيار اللّيرة السوريّة، والتوتّرات العسكريّة خاصّة في ظلّ نشاط خلايا تنظيم داعش.
وأشاد “عبديّ” بالمتمشيخين بقوله: أنّهم نقلوا له صورة الواقع المُعاش في منطقة الطبقة، وأنّهم يؤيّدون مشروع الإدارة الذاتيّة.
وهنا نستذكر عندما جاء رأس النظام بشار الأسد ليؤدّي صلاة العيد في محافظة الرقّة في عامّ 2011 وهو العامّ الذي انطلقت فيه الثورة السوريّة حيث قام أحد المتمشيخين بإلباس بشار الأسد عباءة، يومها لم يكن إلّا تصرُّفًا ينوب عن رهطٍ مفسدين في الأرض، ولا يمثّل الأحرار من أبناء الرقّة الذين يغضبون لمثل هذه الأفعال المشينة بحقّ المنطقة وعاداتها العشائريّة، فإنّ أمثال هؤلاء المتمشيخين لا يُمثّل إلباسهم العباءة لأعداء الثورة إلّا طعنة غدرٍ في ظهر الرقّة وأهلها الذين قاسَوا كلّ صنوف العذاب وقسوة العيش من وراء أمثال الأسد و داعش وعبديّ وغيرهم ممّن كانوا سببًا في دمار الرقّة وغيرها من المناطق السوريّة.
وبالنسبة للمتمشيخين الذين هم ليسوا بأهلٍ للعباءة نقول لكم : لا تخفوا تحتها سفاهتكم وجهلكم اللّذَيْن يجلبان الذلّ والقهر للرقّة و غيرها من المناطق التي تقطنها وتمثّلها القبائل العربيّة المعروفة بتاريخها المُشرّف.