قراءة في معركة السيطرة على مدينة الرقة 

الرقة تذبح بصمت

بدأت مليشيات سوريا الديمقراطية “قسد”، المدعومة أمريكياً، حملتها العسكرية للسيطرة على مدينة الرقة المعقل الأهم لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا، ضمن عملية “غضب الفرات”، منذ أكثر من شهرين، وفيما اتبعت قسد ذات الاستراتيجية العسكرية التي اعتمدتها في السيطرة على الريف المحيط للمدينة، من حيث محاصرة المنطقة في البداية مع ترك طريق مفتوح، والتفاوض عبر وسطاء، لخروج عناصر التنظيم، كما جرى الحال في بلدة المنصورة غرب الرقة، وبلدة الكرامة شرقها، أو عبر أطباق الحصار مباشرة من كافة الاتجاهات، ومن ثم محاولة التوصل إلى صيغة تفاهم على آليه انسحاب عناصر داعش، بعد عملية تكثيف للقصف الجوي والمدفعي، كما تم في مدينة الطبقة، وفي كلا الحالتين كان التنظيم ينسحب، عقب تدمير المدن والبلدات والقرى.

وفي معركة السيطرة على مدينة الرقة، عمدت قسد إلى احكام حصار المدينة من الجهات الثلاث شرقاً وغرباً وفي الشمال، والتوغل ضمن الأحياء الشرقية والغربية للمدينة، محاولة الضغط على عناصر داعش للانسحاب أو تسليم أنفسهم، إلا أنّ التنظيم غيّر من أسلوبه هذه المرة، من خلال تعزيز دفاعاته بالمقاتلين الأجانب، مستقدماً قرابة ٤٠٠ عنصر أجنبي من جنسيات مختلفة، ملحقاً بهم عناصره المحليين، وتقسيمهم إلى مجموعات صغيرة غير مركزية القيادة، منعاً لانهيار خطوطه في نفس الوقت، وتجنباً للانشقاقات الجماعية عنه.

وبالمقابل، كان لاستبعاد وحدات حماية الشعب …. للمجموعات من المكون العربي، وحصره بالأفراد فقط، حيث تم استثناء عدة فصائل من الجيش الحر في صفوف قسد ومنعها من المشاركة في معركة الرقة، والتضيق عليها عبر اعتقال بعض عناصرها، كما حصل مع “لواء ثوار الرقة”، حيث يبرر المراقبون أنّ هذا الإبعاد تم بغية حصر المساعدات العسكرية واللوجستية المقدمة من قبل التحالف الدولي لصالح مليشيا …. فقط، وعدم خلق نوع من التواصل والثقة بين المكون العربي في المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى تسخير نتائج المعركة لصالح تلك المليشيات والأجندة السياسية التي تحملها، إلا أنّ ضم المقاتلين العرب وتجنيدهم في صفوف قسد، جاء إثر تخوف الجانب التركي من حجم القوات الكردية المشاركة في المعركة، والذي تم باستقدام تشكيلات عربية من مناطق الحسكة وريف حلب، للمشاركة في العملية، والذين هم بطبيعة الحال ليسوا من أبناء المنطقة.

هذا وكان من أثار استقدام تلك المليشيات، الإفراط الكبير في استخدام القوة النارية التي اتسمت بالعشوائية دونما هدف استراتيجي في استخدامها، حيث تم قصف أحياء المدينة بشتى أنواع المدفعية المتوسطة والثقيلة، غير أبهين بوجود المدنيين العزل فيها، حيث يتم قصف أحياء مدينة الرقة بشكل يومي بحوالي ٢٠٠ قذيفة مدفعية، وكان لجهل القوات المهاجمة في جغرافية المدينة وطبيعتها واعتمادها على الخرائط الرقمية، دورٌ بالسماح لعناصر داعش بعمليات الالتفاف واختراق الصفوف، الامر الذي ظهر جلياً في الجهة الشرقية للمدينة، والتي تم تجميد القتال فيها عقب الخسائر الفادحة التي تكبدتها قسد فيها، فيما لا تزال الأحياء الخارجة حديثاً عن سيطرة التنظيم تتعرض للهجوم بين حين وأخر.

وفي سياق متصل، استخدمت قسد العربات المصفحة للتحرك والتقدم داخل المدينة، تلافياً للألغام وعمليات القنص، التي يتعرض لها مقاتلوها، محققين بذلك نصراً إعلامياً في المساحات لصالحهم، دون خسائر محققة في صفوف التنظيم.

بالمقابل، كثف طيران التحالف الدولي غاراته على أحياء المدينة، كما وأردف المليشيات على الأرض بوحدات المدفعية الثقيلة والصاروخية من قاعدة الجلبية في ريف عين العرب إلى مدينة عين عيسى شمال الرقة، والتي تم استخدامها في اطلاق ١٥ صاروخاً ارتجاجياً ذو قدرة تدميرية عالية، بغية التمهيد للقوات البرية.

وكان من النتائج المباشرة لهذه العشوائية وعدم المعرفة بطبيعة المدينة سكانياً وجغرافياً، دورٌ كبير في تدمير بنيتها التحتية ومعظم أبنيتها السكنية، إذ تقدر نسبة الدمار الكامل في المباني بنحو ٦٠٪، وتعرض معظم ما تبقى للدمار الجزئي بنسب متفاوتة.

إعلامياً، غيرت قسد من سياستها المتبعة في المعركة، إذ توقفت عن ذكر تحركاتها، والنقاط المسيطر عليها، خشية خسارتها مجدداً، وعدم الإفصاح عن أي منطقة يتم السيطرة عليها، إلا بعد السيطرة على المنطقة التي تليها، فيما تشهد المرحلة حالياً تصعيداً في نسبة استقدام أعداد إضافية من المقاتلين والعتاد العسكري، والتي بررها بعض قادة تلك المليشيات بنية إنهاء المعركة قبل نهاية شهر آب الجاري، تحت ضغوط أمريكية والتي تسعى لتحقيق نصر عاجل على التنظيم، غير آبه بسلامة المدنيين هناك.

وفي الجانب الأخر، تجلى الفشل الذريع في التخطيط لمعركة الرقة إنسانياً، وبشكل واضح، حيث يبدو أنّ التحالف الدولي لم يضع في الحسبان أي خطة لإجلاء المدنيين، وتأمين ممرات آمنة لهم، وتجهيز مراكز لإيوائهم، فيما يعيش اليوم قرابة ٢٠٠ ألف مدني ظروفاً معيشية صعبة للغاية، في ظل النقص الحاد في المساعدات الغذائية والرعاية الطبية الأولية.

وستكشف الأيام، أنّ عدد من قتلوا على يد قوات التحالف ومليشياته المدعومة على الأرض يفوق ما قتلته داعش بمئات المرات خلال فترة سيطرتها طيلة ثلاث سنوات.

Founder of Raqqa is being slaughtered silently, journalist featured in film "City of Ghosts".