الطبقة وريفها تحت النار

الرقة تذبح بصمت

تقترب الاشتباكات يوماً بعد آخر من مدينة الطبقة غربي الرقة، حيث تتقدم ميليشيات سوريا الديمقراطية بقيادة مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية YPG، مدعومة بطيران التحالف الدولي على حساب تنظيم داعش، الذي اتبع سياسة الانسحابات المتتالية من ريف الرقة الشمالي الغربي، دون مقاومة تذكر حتى الآن، كما خسر العشرات من القرى القريبة من مدينة الطبقة، وباتت المليشيات المهاجمة تتمركز على مسافة ١٢ كم من مدخل سد الفرات، بوابة المدينة الشمالية.

ويسكن في مدينة الطبقة وريفها قرابة ١٥٠ ألف مدني، قسم منهم هم من سكان المدينة الأصليون، والذين فر نصفهم بسبب الضغوط الكبيرة التي فرضها التنظيم نحو خارج أماكن سيطرته، وقسم آخر هو من النازحين الفارين من مناطق ساخنة كالسخنة وتدمر والموصل العراقية، إضافة لنازحين قدامى من ريف حلب وحمص متواجدين منذ أكثر من ثلاثة سنوات.

ويسود المدينة اليوم، حالة من الرعب والخوف بسبب المعارك القريبة من مدينتهم، إضافة إلى الغارات المتواصلة من الطيران الحربي والتي أدت الى استشهاد العشرات من أهالي المنطقة، كما وباتت خيارات النزوح لديهم محدود ومحصورة بالمناطق المسيطر عليهم من قبل التنظيم، حيث يمنع التنظيم خروج المدنيين باتجاه المناطق الآمنة الغير واقعة تحت سيطرته تحت طائلة الإعتقال والجلد والغرامة المالية، أما بالنسبة للأشخاص أصحاب السيارات الذين يساعدون المدنيين على الخروج من مناطق سيطرة التنظيم، فالعقوبة باتت الإعدام حيث عمل التنظيم على اعدام الشاب “عبد الكريم الحسن” بتهمة تهريب المدنيين خارج مناطق سيطرة التنظيم، ونفذ الإعدام في بلدة المنصورة.

وفي سياق متصل، كثف تنظيم داعش من الحواجز داخل المدينة وعلى أطرافها، مع التدقيق على حركة الناس واسمائهم، إضافة إلى حصر خدمات الإنترنت فقط في عدد محدود من المحلات التي يسيطر عليها موالون للتنظيم، بحيث تتم مراقبة كامل الإتصالات ومنع خروج أي معلومة عن المدينة للخارج، وفي ذات الاطار عمل التنظيم لترهيب المدنيين على اعدام عدد من الشبان بتهم جاهزة مسبقاً وهي التخابر مع التحالف الدولي.

كل هذا جعل المدنيين في حالة جهل لما يحدث بمحيطهم خصوصاً عقب منع استخدام أجهزة الإستقبال الفضائي “الدشات”، في محاولة منه لقطع الرقة عن العالم الخارجي.

ولم ينفك التنظيم من استدعاء الشبان الذين كانوا منتمين سابقاً إلى فصائل الجيش الحر أو الكتائب المحلية أو المنشقين عن جيش النظام، وإلحاقهم بدورات شرعية في محاولة مستمرة منه لجلبهم إلى صفوفه.

أما في المناطق والقرى التي انتقلت إلى سيطرة قوات قسد ومليشيات الـ YPG، فقد تعرضت إلى قصف جوي عنيف، أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين مما دفع أهالي تلك القرى إلى النزوح نحو الأراضي الزراعية الخالية لأيام قبل أنّ يتمكنوا من العودة إلى قراهم، ومنها قرى تل عثمان والجرنية وشمس الدين، بينما أهالي قرى جعبر فقد عمد قاطنيها إلى هجرة منازلهم وانشاء مخيم خارجها، عمدت بعد ذلك طائرات التحالف الدولي إلى قصفه، الأمر الذي اضطرهم إلى النزوح نحو مناطق سيطرة التنظيم في مدينة الطبقة، هذا ولا يزال أهالي قرية المحمودلي في الأراضي الخالية حيث لم تستطع قوات قسد السيطرة على تلك القرية بعد.

وحال المنطقة عموماً مشابه لما شهده ريف الرقة الشمالي عند سيطرة مليشيات الـ YPG عليها، من حيث عدم التجهيز لنزوح القرى والعائلات في الشتاء أو انشاء نقاط طبية لعلاج المصابين، وتقديم يد العون للفارين من جحيم التنظيم ونيران الطائرات، بينما لا توفر تلك المليشيات أي جهد في التصوير والتقاط الصور لتك العائلات، لتظهر المدنيين بمظهر المرحب بوجودها.