تعيينات “داعش”: “دولة” في طور الأفول

رشحتْ خلال الأسبوع الماضي معلومات عن تغييرات في بنية القيادة العليا لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتسميته لقادة المراتب العليا، بعدما أشيع عن خلافات داخلية ترافقت مع اشتداد الحرب عليه وخسائره البشرية وانحسار رقعة سيطرته الفعلية خلال الشهور الأخيرة.

وكان التنظيم قد كشف قبل ذلك بنيته التنظيمية، في شريط مصور بعنوان “صرح الخلافة”، وشرح فيه هيكله المؤلف من “دواوين” و”هيئات”، تعادل وزارات وإدارات مركزية. كما سمَّى التنظيم 35 ولاية (تقسيماته الإدارية) تتوزع على رقعة جغرافية واسعة في سوريّا والعراق وشبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي والقوقاز، وخراسان التي تضم إيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى المسلمة. ويحتل “الخليفة” رأس هرم السلطة ويعاونه “مجلس شورى” ولجنة مفوضة تختص بشؤون تنفيذية، ودون هذا المستوى القيادي توجد “الدواوين” (الوزارات) وعددها 14، وإلى جانبها 5 هيئات مركزية.

وسمّى التنظيم إياد عبد الرحمن العبيدي، المُكنى بـ”أبو صالح حيفا”، رئيساً لـ”المجلس العسكري” ونائباً للبغدادي على العراق. والعبيدي، وهو المسؤول المالي السابق في التنظيم، خلف فاضل الحيالي، المُكنى بـ”أبو مسلم التركماني” بعد مقتله، في قيادة “المجلس العسكري”. إلّا أن الجديد هو تسمية العبيدي نائباً للبغدادي على العراق، المنصب الذي سبق أن شغله “أبو علي الأنباري”. والعبيدي ضابط سابق في “الحرس الجمهوري” العراقي، كان قد شارك في تشكيل “كتائب ثورة العشرين” التي ساهمت في مقاومة الأميركيين بعد احتلال العراق في العام 2003. ويبدو أن العبيدي تحوّل في تلك الفترة إلى السلفية الجهادية، كما سُجن في “بوكا” في العام 2006.

كما سمَّى التنظيم السعودي من أصل سوري طراد محمد الجربا، المُلقب “محمد الشمالي-الجزراوي”، نائباً لـ”الخليفة” في سوريّا، وسمّى السلفي الأردني عمر مهدي زيدان السليطي “أبو المنذر المهاجر” رئيساً لـ”مجلس الشورى”. كما وضع التنظيم الطاجيكي غول مراد حليموف، العسكري السابق في طاجيكستان، على رأس “القيادة العسكرية” خلفاً لـ”أبو عمر الشيشاني”. وصار حليموف قائداً ميدانياً للكتائب الخاصة؛ “جيش العسرة” و”جيش الخلافة” و”كتيبة البتار” و”جيش دابق”، وهي المجموعات المقاتلة الأكثر شراسة في التنظيم.

وللأمن سمَّى التنظيم إياد حامد محل الجميلي، الذي وردت أنباء لمّا تُؤكد بعد عن مقتله في الموصل بغارة لطيران “التحالف الدولي”. ويُكنّى الجميلي بـ”أبو عبد الرحمن” أو “أبو يحيى الأنصاري”، وهو ضابط سابق في المخابرات العراقية في عهد صدام حسين. والملف الأمني هو الأكثر تعقيداً والأشد حساسية لدى التنظيم الذي درج في أطواره كافة على إسناده إلى ضباط أمن عراقيين سابقين، لدوره الاستراتيجي في بقاء التنظيم والحفاظ على وحدته واستمراريته.

مسؤولية الهيئات الخارجية أسندها التنظيم إلى عبد الله يوسف، “أبو بكر”، الرئيس السابق لـ”مجلس شورى التنظيم”.

وتسلَّم علي موسى الشواخ، المشهور بـ”أبو لقمان” أو “أبو أيوب”، مسؤولية ملف “المهاجرين والمضافات”. والشواخ، هو السوري الوحيد في التشكيلة القيادية الجديدة، من أبناء ريف الرقة. وتبدو تسمية الشواخ لهذا الموقع معقولة ضمن المنطق الداخلي لتاريخ التنظيم وحاجاته، فقد كان الشواخ “والي الرقة” في فترة “التمكين” عندما كان معظم الجهاديين المهاجرين يتسربون إلى سوريا عبر نقاط تهريب على الحدود السورية-التركية، وكانت الرقة مركز تجمعهم وفرزهم الأساسي.

أما مسؤولية الهيئات الشرعية في “دولة الخلافة” فقد أوكلها التنظيم إلى البحريني تركي البنعلي، كما أولى المهاجر السعودي فيصل أحمد علي الزهراني، مسؤوليات “ديوان المال” خلفاً لـ”أبو سياف التونسي”. وأوكل التنظيم مسؤولية قيادة “التطوير” إلى “أبو محمد طه الأنصاري” العراقي من الأنصار، فيما سمّى “أبو معاوية الأنصاري” لرئاسة “ديوان الصحة”، والعراقي خلدون سالم بشير المصلاوي، لـ”ديوان الإعلام” خلفاً لوائل الراوي، الذي يُشاع أنه قُتل في الرقة قبل نحو أسبوعين بغارة من “درون” أميركية. وأوكل التنظيم مسؤولية “ديوان الحسبة” إلى العراقي “أبو عبد الباري شفاء علي النعمة”.

ويُلاحظ من قراءة التشكيلة القيادية الجديدة لـ”الدولة الإسلامية”، أن عدداً من التسميات جاءت كتحصيل حاصل، بعد فترات من تسلم القادة الجدد لمناصبهم الفعلية، فكانت تسميتهم تنصيباً إعلامياً. كما أن التعيينات توحي بأن المهاجرين قد نالوا حقهم من المناصب القيادية بعد طول نكران، لكن واقع الحال يشير إلى أن المناصب الحساسة وذات الأهمية الفعلية بقيت بيد العراقيين خاصة في “ديوان الحرب” والملف الأمني. ويضاف إلى ذلك، أن تسريب الأسماء، جاء بعد أسابيع من إعلان التنظيم عن دواوينه وهيئاته، ما يوحي أن التنظيم يتحول إلى “دولة”، فيما تشير الوقائع العسكرية والسياسية أن بقاء التنظيم أصبح مسألة وقت، وأن عودته إلى العمل “تحت الأرض” باتت في حكم المؤكد.

المصدر : المدن