الغضب لحلب

 الرقة تذبح بصمت

أطلق فصائل المعارضة السورية معركة “ملحمة حلب الكبرى” لفك الحصار عن حلب أولاً، وتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ثانياً. وكان لافتاً حجم الانتصارات التي حققها الثوار في الأيام الأولى للمعركة رغم الإسناد الجوي الروسي والسوري لقوات النظام والميليشيات الطائفية المساندة له.

فقد سيطر الثوار على مشروع 1070 شقة شمال الحمدانية، وعلى مدرسة الحكمة، وكتيبة الصواريخ وتلة مؤتة وأحد والمحبة وقرية المشرفة ومقالعها، وتلة المحروقات والجمعيات والعامرية في الريف الجنوبي. وتوّج الثوار معاركهم بالسيطرة على كلية المدفعية وكليتي التسليح والمدرسة الفنية الجوية، وحي الراموسة ليتعانق الثوار المحاصرون مع إخوانهم الثوار الفاتحين في لحظات تاريخية من عمر الثورة السورية، وكان للعقيدة القتالية للثوار دورٌ حاسم في تحقيق النصر، ولا سيما أنّه قابلها جيش مهترئ نخر فيه الفساد، معظم من فيه مكرهون على القتال، وطُعّم هذا الجيش بميليشيات من الشبيحة تقاتل من أجل المال، ومرتزقة طائفيين لا يختلفون عنهم.

وكان حصار حلب عاملاً معززاً لرفع معنويات الثوار إذ عدها الثوار معركة حياة أو موت، وواجباً فرضه حصار النظام لأكثر من ثلاثمائة ألف مدني، وبدا لافتاً من خلال الواقع حجم الدعم الشعبي للثوار بدءاً من احتضانهم مروراً بحرق الإطارات والمظاهرات، وليس انتهاء بالاستعداد للتضحية وتقبلها بصدر رحب.

هذا السلاح المعنوي كان السبب الرئيس لانتصار الثوار.

ولا يغيب هنا الجانب العسكري، فقد أعد الثوار للمعركة جيداً وفق الإمكانيات المتاحة، كما لعبت الخطط العسكرية دوراً كبيراً في إرباك النظام، حيث كانت كل هجمات الثوار تحمل عنصر المفاجأة مما قلل من أثر الطيران لحدٍ ما، ولعل آخرها مهاجمة الكليات من مقالع المشرفة لا مشروع 1070 كما كان يحسب النظام، إنها معركة المفاجأت، والتكتيكات العسكرية، وسيترتب على هذه المعركة نتائج كبيرة على الثورة السورية.

فقد كسر الثوار بداية كل القوانين والخطط العسكرية، إذ يستحيل وفقاً للقوانين العسكرية سحق النظام، وفك الحصار في ظل الإمكانات المتوفرة لكل طرف. لكنّ الإرادة الثورية المتسلحة بالعقيدة الإيمانية كسرت هذه القوانين بدليل انتصارات الثوار، وربما وفّر الانفصال عن القاعدة غطاء إقليمياً لجبهة النصرة.

أما من الناحية السياسية فكما أشرنا آنفاً أن ثمة مباركة إقليمية للمعركة، فهناك تسريبات صحفية عن رفض تركي سعودي قطري لأي هدنة في الوقت الحالي، وقلق روسي شديد وهي ترى جهدها الجوي يتبخر خلال أيام كما حصل منذ فترة في الريف الجنوبي، فقد مرغ الثوار أنف الروس بالتراب، وأثبتوا واقعاً لا كلاماً أنّ إرادة الشعوب أقوى من الطائرات والصواريخ، ويقف الروس أمام طريقين؛ الاستمرار بعدوانهم وبالتالي الدخول في مستنقع أفغاني جديد، وجر أذيال الخيبة والهزيمة لاحقاً، أو فهم الدرس جيداً والدخول في حل سياسي لا مكان فيه للأسد وبذلك يحفظ الروس ماء وجههم إن بقي منه شيء.

ونزعم هنا أنّ الموقف الأمريكي سيتغير بشكل دراماتيكي، ولا سيما إذا سيطر الثوار على حلب أو بعضاً من أحيائها الغربية، ولا سيما إذا ترافقت السيطرة مع نجاح خطوة الدمج الكامل لجيش الفتح مع الفصائل الاخرى حيث سيشكل حينها القوة الضاربة في سورية. وسيكون هذا الجيش القوة الوحيدة القادرة على دحر داعش دون إحداث تصدعات في المجتمع السوري، فهذا الجيش في حال دخوله لحلب سيتضاعف أضعافاً مضاعفة من حيث العدد، سواء في حلب المحررة أو المحتلة فقد أعادت انتصارات الثوار للثورة ألقها وبريقها السحري.

وبدأت منذ الآن تظهر انزياحات في مواقف الغرب من روسيا أولاً، ومن الثوار ثانياً، فقد لاحظ الجميع مهاجمة أوباما في مؤتمره الصحفي لضبابية الموقف الروسي من الصراع، بل وشكه بنوايا الروس، وهذه التصريحات قد تكون مخرجاً لمواقف أمريكية جديدة بانتظار النتائج على الأرض، ويُنظرُ للثوار إيجابياً باعتبار معركتهم تهدف لفك الحصار عن نصف مليون من قبل نظام (وضيع) كما وصفه أوباما.

ويبقى لبطولات الثوار الكلمة الفصل، فهم والسوريين من يقرر شكل سورية ومستقبلها لا جنيف ولا الروس.

Founder of Raqqa is being slaughtered silently, journalist featured in film "City of Ghosts".