خاص – الرقة تذبح بصمت
حظي تنظيم داعش بما يمكن أن نسميه “غض نظر” من دول قريبة وبعيدة، بعيد إعلانه عن “دولته” وبدء تمدده إلى مناطق واسعة في العراق وسوريا وسعيه الحثيث الى ترسيخ سيطرته على هذه المناطق بجميع الأساليب، الأمر الذي أتاح له إمكانية تهديد مصالح دول عديدة بشكل مباشر أو غير مباشر، ما اضطرها إلى تشكيل ما يسمى بالتحالف الدولي لمواجهة هذا التنظيم.
وخلال سير العمليات العسكرية ضد التنظيم، كان الهدف الرئيسي للتحالف هو إضعافه مع الإبقاء عليه والإبقاء على المقومات التي أدت إلى نشوئه من الطائفية في العراق والدكتاتورية في سوريا، في حين أنّ من يتواجد على الارض يدرك أن عامل الزمن هو لصالح التنظيم.
ولو بحثنا عن السيناريو المحتمل للخلاص بشكل نهائي من التنظيم في سوريا وبخاصة في منطقة الجزيرة، نجد أنّ المعادلة بسيطة وتتلخص بعدة بنود يمكن من خلالها ضمان القضاء على التنظيم والبذور التي زرعها في المجتمع.
وأول هذه البنود هو رحيل نظام الأسد الذي ساهم في نشوء التنظيم لإثبات نظريته في أنّ الثورة ما هي الا جماعات متطرفة أصولية تحمل فكراً إرهابياً وإبعاد كل المعارضين للنظام عن التنظيم والذين لجؤوا إليه عندما لم يجدوا خلاصاً من النظام إلا عبره، فنجد أن أكبر نسبة من المنضمين للتنظيم من السوريين هي من المناطق التي شهدت مجازر وعمليات قصف وقتل.
يضاف إلى ذلك، دعم قوة عربية سنية تكون رأس الحربة لقتال التنظيم وتمتلك حاضنة شعبية كونها من أبناء المنطقة، مع ضرورة السعي لتنظيمها جيداً وحمايتها من ملامح التشرذم والأخطاء التي حملتها سابقاتها خلال الثورة وأن تكون نواة حقيقية لمؤسسة عسكرية مستقبلية للبلد ككل، وعدم التعويل بشكل مباشر على مجموعات عرقية أو إثنية محددة لقتال التنظيم وبخاصة خارج مناطق تواجدها، والضغط لتحديد دورها في المناطق التي تعمل فيها وإجبارها على وقف تجاوزاتها التي خلقت حاضنة ولو بشكل مرحلي للتنظيم وأظهرته بصورة الحامي الحقيقي للعرب السنة، إلى جانب إدارة المناطق التي تخرج من يد التنظيم بحيث تصبح نموذجاً جيد يدفع أهالي المناطق التي لاتزال تحت سيطرة الأخير إلى التطلع للخلاص منه.
كذلك، يجب عدم تهميش الأطراف الإسلامية في المرحلة القادمة والاعتماد على الأطراف الأكثر اعتدالاً للمساعدة في القضاء على بقايا فكر التنظيم المتطرف عن طريق الحوار وتقويم الإعوجاج الفكري الناتج عنه، إضافة إلى دعم المنظمات والجمعيات التي تحارب التنظيم فكرياً كون هدفه الوحيد كان نشر الفكر المتطرف بين العامة والأطفال بصورة أكثر تحديداً، لأنه يعلم بأنه إلى زوال لكن تلك العقول ستحمل هذا الفكر وستكون نواة لخلق التنظيم مجدداً بصورة أكثر توحش، لذلك فإن محاربته فكرياً ستقلل من أعداد المنضمين له وستدحض ادعاءاته التي يحاول زرعها في عقول الناس.
ويتوازى علاج المسببات ومحاربة التنظيم فكرياً في جميع المناطق التي يتمركز فيها التنظيم من العراق إلى ليبيا ومصر وغيرها مع العمل العسكري ضده، إل أنّ الطامة الكبرى في وجود أطراف عديدة تعتقد أن جيش النظام سيعمل على إزالة التنظيم وتحاول دعم فكرة بقاء النظام لقتال التنظيم، وهو ما يدفع المدنيين في مناطق سيطرة التنظيم إلى الإلتفاف حوله وخلق حاضنة شعبية كبيرة لأنهم يفضلون أن يبقوا تحت سيطرته على أن يقعوا تحت سيطرة النظام الذي ثاروا عليه سابقاً، فضلاً عن كونهم يدركون أن انتقام النظام سيكون جماعياً ومكلفاً للغاية وبهذا ستكون الأطراف الدولية قد خدمت التنظيم وثبتت تواجده في المنطقة لسنوات إضافية.