حملة “قسد” للتجنيد الإجباري في الرقة تهدد بعدم استقرار ونزوح جديد

خلسة، عبر الحارات والأزقة” يتجول حمادي العبد الله (27 عاماً) في مدينة الرقة، متجنباً “الشوارع الرئيسة وأوقات الذروة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، خشية سوقه للتجنيد الإجباري، ضمن الحملة التي أطلقتها في المدينة مؤخراً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على أغلب مناطق شمال شرق سوريا.

العبد الله، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، يعمل في إحدى المنظمات الإنسانية بمحافظة الرقة. لكن كونه مطلوباً للتجنيد، جعله ذلك عاجزاً عن “ممارسة كثير من مهامي في المنظمة، خاصة تلك التي تتطلب مني العمل الميداني”، لاسيما مع إمكانية سوقه “عبر مكتب المنظمات التابع لمجلس الرقة المدنيّ”. موضحاً أن “المجلس اشترط على جميع المنظمات العاملة ضمن نطاقه الإداريّ تقديم كشوف بأسماء العاملين”، فيما يتوجب على “من هم في سن التجنيد تقديم براءة ذمة صادرة عن شعبة التجنيد التابعة لـ”قسد””.

وتعد حملة التجنيد الحالية في الرقة، والتي أطلقتها “قسد” مطلع آذار/مارس الحالي، الأكبر في المحافظة منذ طرد تنظيم “داعش” منها في تشرين الأول/أكتوبر 2017. إذ تشهد المحافظة حركة مستمرة لدوريات الشرطة العسكرية التابعة لـ”قسد”، منفذة حملات مداهمة طالت عدداً من المقاهي والمطاعم لسوق المطلوبين، عدا عن نصب حواجز ونقاط تفتيش على مداخل ومخارج مدن وبلدات الرقة، بحسب ما ذكر شهود عيان لـ”سوريا على طول”.

وتتراوح مواليد المطلوبين للتجنيد في هذه الحملة “بين العامين 1990 و2001″، كما قال لـ”سوريا على طول” عضو في مجلس الرقة المدني، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، و”من دون وجود استثناءات حتى للعاملين في الدوائر الخدمية التابعة لسلطة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا” المسؤولة عن إدارة المنطقة. لافتاً إلى “وجود تنسيق بين المديريات التابعة للإدارة الذاتية ولجان الدفاع في المجالس [المدنية] لتحديد وتوزيع المطلوبين على أكثر من دفعة حتى لا تؤثر عمليات التجنيد على عمل الدوائر والمديريات”.

رفض وإضراب

قوبلت عمليات التجنيد الأخيرة في محافظة الرقة برفض المطلوبين، مع تضامن الأهالي معهم. إذ أطلق مدنيون حملة إعلامية تحت وسم “بدي أظل بالرقة خيو، مواليد التسعينات”، خاصة مع “نية عدد من الشباب مغادرة المنطقة باتجاه تركيا أو كردستان العراق هرباً من التجنيد”، كما قال مصدر مدني من الرقة لـ”سوريا على طول”.

وعبّر حمادي العبد الله عن رفضه التجنيد كون “الخدمة في قوات تتبع لفصيل سياسي وليس [ضمن] جيش وطني لكل البلاد”. يضاف إلى ذلك “زج قسد الناس على الجبهات وتركهم في مواجهة مصيرهم”، كما قال، عدا عن أن “التجنيد يعني خسارة عملي”. لافتاً إلى أن مدة الاحتفاظ بالمجندين هي 12 شهراً.

في السياق ذاته، أعلنت عدد من مدارس الرقة إضراباً عن التعليم رفضاً لعمليات التجنيد الإجباري. إذ في الثالث من آذار/مارس الحالي، علقت مدرستا مزرعة اليرموك (13 كم شمال الرقة)، دوامهما رفضاً لقرارات “قوات سوريا الديمقراطية بفرض التجنيد الإجباري على المعلمين”. علماً أن عدداً من مدرسي الرقة كانوا ضحية حملات الشرطة العسكرية التابعة لـ”قسد”، التي انتهت باعتقال معلمين وسوقهم للخدمة، في حادثة لم تشهدها المحافظة سابقاً. كذلك، شارك في عمليات الإضراب موظفون في مديريات ومكاتب مجلس الرقة المدني، وعدد من العاملين في المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.

لكن لجنة التربية التابعة لمجلس الرقة المدني “لم تبد أي تفاعل بشأن المعلمين المطلوبين للخدمة”، كما قال لـ”سوريا على طول” موظف في أحد المجمعات التربوية التابعة للجنة. مشيراً إلى أن إدارياً في اللجنة “ردّ على اعتراض عدد من المعلمين بالقول: نحن نخدم “قسد” بالقلم والسلاح”، في تأكيد على وجوب امتثال المعلمين لقرار التجنيد. 

“ردّ على اعتراض عدد من المعلمين بالقول: نحن نخدم “قسد” بالقلم والسلاح”

والواقع أن عمليات تجنيد المعلمين تتم “بالتنسيق بين لجنة التربية ولجنة الدفاع” في مجلس الرقة، بحسب ما كشف مسؤول في لجنة التربية لـ”سوريا على طول”، بهدف “تحديد عدد المعلمين المراد سوقهم في كل دفعة حتى لا تتأثر العملية التعليمية”، إذ “يبلغ عدد المعلمين في عمر التجنيد 950 معلماً من أصل 5,000 معلم يتواجدون ضمن حدود مجلس الرقة المدني”. موضحاً أنه تم الاتفاق على “سحب 10% من إجمالي المعلمين المطلوبين في كل دورة عسكرية تفتتحها “قسد”، أي بواقع 95 معلماً كل ستة أشهر”.

وأشار المصدر إلى أن تعويض نقص المدرسين يتم عبر “المعلمين على قائمة الاحتياط، والبالغ عددهم 627 مدرساً كانوا اجتازوا المسابقات التي أجرتها لجنة التربية سابقاً، يتم التعاقد معهم بعقود مؤقتة”.

هل تنتهي الحملة؟

شبه أحد سكان الرقة خوف أهالي المدينة من مداهمات دوريات الشرطة العسكرية التابعة لـ”قسد”، بخوفهم من دوريات “الحسبة” التابعة لـ”داعش”، والتي كانت بمثابة جهاز شرطة التنظيم. إذ فيما “كان الناس يهربون من دوريات الحسبة التي كانت تجوب أحياء الرقة في أوقات الصلاة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، فإنهم الآن “يهربون بنفس الطريقة من دوريات “قسد”، لدرجة أن المطلوبين وغير المطلوبين يهربون من الدوريات”.

“يهربون بنفس الطريقة من دوريات “قسد”، لدرجة أن المطلوبين وغير المطلوبين يهربون من الدوريات”.

ومع ما يحمله المشهد من مخاوف لشباب الرقة، فإنه ينذر بحالة عدم استقرار في مدينة ما يزال عدد من أهلها نازحين عنها، رغم مرور ثلاث سنوات على زوال “داعش” الذي كان يتخذ المدينة عاصمة له. إذ إن مثل هذه الحملات، بالتزامن مع تنامي خلايا التنظيم في المنطقة، تجعل النزوح عن المنطقة مجدداً أحد خيارات شباب الرقة، بحسب ما ذكر عدد من المصادر لـ”سوريا على طول”.

وفي إطار عملها على التخفيف من آثار حملة التجنيد الحالية، عقدت لجنتا التربية والدفاع التابعتين لمجلس الرقة المدني عدة لقاءات بهدف التوصل إلى صيغة تفاهم جديدة، كما ذكر المصدر من لجنة التربية لـ”سوريا على طول”. وكان ضمن الخيارات المطروحة “إعفاء مواليد [سنوات] معينة من التجنيد وحصره بمن تتراوح مواليدهم بين 1995 و2001، إضافة إلى طرح نظام الندب، أي أن يؤدي المعلم خدمته العسكرية في المدرسة التي يعمل فيها، على أن يلتحق بصفوف “قسد” حين الطلب”.

كذلك، التقى عدد من وجهاء الرقة بمسؤولين في الإدارة الذاتية، في 9 آذار/مارس الحالي، بهدف “بحث ملف التجنيد”، بحسب ما ذكر أحد الوجهاء الذين حضروا الاجتماع لـ”سوريا على طول”، “لكن لم نخرج بأي نتائج”.

وقد حاولت “سوريا على طول” الحصول على تعليق من الرئيس المشترك لمكتب الدفاع في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ، زيدان العاصي، ورئيس لجنة الدفاع في مجلس الرقة المدني، جيا كوباني، حول عمليات التجنيد في الرقة، لكن لم يكن هناك رد منهما حتى لحظة نشر التقرير.

لكن رداً على تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذي وثق خلال الفترة بين مطلع كانون الثاني/ يناير و15 شباط/فبراير 2021، اعتقال ما لا يقل عن 61 مدرساً في مناطق سيطرة “قسد” بمحافظات الرقة والحسكة ودير الزور، 34 منهم بهدف تجنيدهم إجبارياً، أصدرت الإدارة الذاتية في 26 شباط/فبراير الماضي بياناً اعتبرت فيه أن “واجب الدفاع الذاتي حق مشروع لكل المجتمعات للدفاع عن أرضها وأمنها واستقرارها، وهو منظم بقانون صادر عن الإدارة الذاتية في العام 2014، وتلتزم به كافة المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.

وفيما وجهت اتهامات للشرطة العسكرية التابعة لـ”قسد” بتنفيذ مداهمات لمدارس الرقة، واعتقال معلمين داخل الحرم المدرسي، كما حصل ذلك أيضاً في دير الزور، بحسب تقرير الشبكة السورية، نفت الإدارة الذاتية في بيانها حصول ذلك، معتبرة أنه “بناء على التفاهم مع مكتب الدفاع يمنع دخول قوات الانضباط العسكري إلى المدارس وسوق المعلمين من داخل الحرم المدرسي”.

سوريا على طول
حسن قصاب