الرقّة من ربيع التحرير إلى حرقةِ الموت والفقر

بينما الأرض كانت تنفض عنها برد الشتاء وتتهيّأ كي تُزهر في ربيع 2011 كان الشعب السوريّ يصنع ربيعه أيضًا كما سبقته عدّة دول عربيّة.


ما إن صدحت كلمة “الحريّة” في محافظة درعا السوريّة وسقوط الشهداء الأوائل في 15 آذار من عامّ 2011 حتّى أخذت الكلمة تنتشر في أرجاء الأرض السوريّة ، وكانت محافظة الرقّة كما عادتها المسانِدة لكلّ حرٍّ مندّدةً بما يقوم به نظام الأسد بحقّ المطالبين بالحريّة ، لتُشرِّع أبواب بيوتها لكلّ من نكّل به النظام المجرم وسلبهم ما يملكون ، فكانت بيوتها بيوتهم ، مظاهرة تلو المظاهرة، جمعة تلو الأُخرى شهِدت تشييع الشهداء، والمطالبة بإخراج المعتقلين و أصحاب الرأي من سجون النظام الأسديّ، و تجريم ما يفعله بحقّ البلاد وأهلها ، حتّى جاء ربيع 3/4/ 2013 لتعلِن زغاريدَ الحريّة الرقّة ” عاصمة التحرير ” تحريرٌ جاء بعد معاناة الرقّة لسنين طِوال شهدت فيها الكثير من التهميش والكبت ، وسرقة مواردها الطبيعية من زراعة و غيرها ، تحريرٌ عاشت فيه الرقّة أيّامًا لم تعهدها منذ عقود ، استحقّت خلالها لقب ” عاصمة التحرير ” عن جدارة ، ولكن الربيع كما هو معروف أيّامٌ ، ليأتي بعده الصيف بحرقةٍ لا تزال مُشتعِلةً في قلوب أبنائها الأحرار ، وبينما كان أحرار الرقّة يحرسون فرحتهم بالنصر ليظهر تنظيم داعش وكأنّه الذئب بزعامة أبي بكرٍ البغداديٍ، ويعلن سيطرته على الرقّة في شتاء 2014 من شهر كانون الثاني / يناير لِيخطف فرحة الرقّة بتحريرها، وتدخل بعدها في عًهدَةٍ من دياجر الظلم ، وتُعلَن “عاصمة الخلافة ” وتسرق حقيقةً بعد أن كانت حُلُمًا، وفعلاً بعد أن كان كلامًا ، حالت بعدها الرقّة إلى عهدٍ من القهر ، وزهقٍ للأرواح ، وهجرةٍ للشباب الذين ضاقت بهم سعة رقّتهم ، فكانوا في قبورٍ، أو سجون، أو وسط بحرٍ ينتقل بهم إلى بلاد الهجرة.


داعش الذي خلقَت منه القِوى الدوليٍة حُجّةً لتفتح عهدًا لمنظّمةٍ لا تختلف في ظلمها عن النظام السوريّ ، وتنظيم داعش في نشرها للظلم ، واضطهاد الأهالي، وسرقةٍ لخيرات البلاد، وذلك من خلال سعي هذه الدول لجعل الرقّة أرضًا مًستعمرَة لقوّات سوريا الديمقراطيّة أو ما تُعرَف باسم ميليشيا ” قسد” التي سيطرت على الرقّة في خريف 2017 من شهر أكتوبر /تشرين الأوّل لتصبح الرقّة وحتّى هذا اليوم مدينةَ يقضُّها الفقر والجوع اللَّذَيْن نهشا كلّ مروءةٍ في الرقّة إلّا ما رحِم ،فأصبحت السرقة عادةً يوميّة لا يُلام من يقوم بها بسبب السارق الأكبر ” قسد” التي أتت على خيرات الأرض ، ووقوفها حائلًا في أن يقوم الناس بالحصول على أرزاقهم المنهوبة ، وكذلك إعمار مدينتهم التي حالَها قصف التحالف الدوليّ إلى كومة حجرٍ ، يُعَاد إعمار قسم منها بخجلٍ ، وسط فقرٍ وقلّة ذات اليد تصفِرُ في خِواء بطونهم.