ألغام الموت

الرقة تذبح بصمت
خرجت محافظة الرقة عن سيطرة تنظيم داعش، بداية شهر أيلول ٢٠١٧، فيما استطاعت مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، السيطرة على كامل المحافظة، بصفقة تمت بينها وبين داعش، خرج بموجبها عناصر التنظيم نحو ريف دير الزور الشرقي، إلا أنّ تلك الصفقة جاءت متأخرة جداً، بعد تدمير قرابة ٨٠٪ من المدينة بشكل كامل، وتشريد معظم ساكنيها.وفيما يحاول المدنيون اليوم العودة إلى أحيائهم المدمرة، هاربين من موت المخيمات المنتشرة في البراري، في ظروف إنسانية أقل ما توصف بالصعبة، يبقى خطر الألغام المنشورة في كل زاوية من المدينة مهدداً لحياة الآلاف منهم، ومع التأخير الواضح في تمشيط الأحياء من الألغام وإزالتها، وتسليمها إلى أهلها، حيث كانت البداية من حي المشلب شرق المدينة، والذي منعت مليشيا قسد عودة سكانه من العودة إليه عند محاولتهم، مفرقة مظاهرة للأهالي تطورت إلى اطلاق الرصاص الحي وإصالة عدد من المتظاهرين، ومع استمرار ضغط الأهالي، اضطرت قسد إلى فتح الحي أمام العائدين، والسماح لهم بدخول الحي، ليتفاجؤوا بسرقة محتويات منازلهم، وإفراغها من كل ما تحتويه تقريباً.

وعلى غير المتوقع، بدأت عودة سكان الأحياء الداخلية من المدينة مبكراً، لتفقد ممتلكاتهم على الرغم من خطر الألغام المنشورة، وبمشاهدات لعدد من أهالي المدينة في زيارتهم الأولى، كانت ممتلكات المنازل لاتزال موجودة، وعند العودة إلى تلك المنازل بعد إعلان إزالة الألغام من بعض الأحياء وجدها أصحابها خالية على عروشها، ما دفع الكثير لاتهام قسد بسرقة محتويات المنازل.

كما تفرض قسد “حظراً للتجوال” في شوارع الرقة، من الساعة السادسة مساءاً حتى الصباح، يتخلل تلك الفترة اطلاق للرصاص، لإيهام المدنيين بعمل قسد على ملاحقة اللصوص، فيما يؤكد الكثيرون أنها فقط لإخافة الأهالي لا أكثر، حيث تتولى مجموعات من قسد حماية أحياء معينة من المدينة، مانعين أحداً غيرهم من دخولها، ويمنع على أي مدني إخراج أي شيء من منزله، دون موافقة أمنية للمرور على حواجز قسد.

والجدير بالذكر، أنّ الكثير من المنازل المنهوبة من محتوياتها في الرقة، كُتب على جدرانها عبارات، تحمل اسم مجموعات عسكرية “كمجلس منبج العسكري”، وغيرها من المجموعات التي كانت تقاتل تحت راية مليشيا قسد، والتي غادرت الرقة بعد إتمام العمليات العسكرية فيها، حاملين معهم ما استطاعوا نهبه، تاركين المدينة خاوية على عروشها.

وفي الوقت الحالي، يلاحظ بطء شديد من قبل المليشيات والمؤسسات التابعة لها والمنظمات في إزالة الألغام، والتي تحولت الى أداة استثمار مقابل مبالغ مالية لفحص أي منزل، فكلفة فحص منزل حالياً تتراوح بين ٥٠ الى ١٠٠ دولار والتي بدورها سبب أخر لتأخير عودة المدنيين، الذين حصدت تلك الألغام أرواح المئات منهم إلى الآن ويرجح ان يستمر هذا السيناريو حتى وقت طويل.