بعد أربعة أشهر على خروج تنظيم “الدولة الإسلامية” من مدينة الرقة وانتهاء الحرب الدائرة فيها، وجد سكان المدينة “المنكوبة” أنفسهم في مواجهة مع مخلفات تلك الحرب، التي كان النزوح أولى عناوينها العريضة، فيما لم يكن الموت بالألغام آخرها.
في محاولة من سكان الرقة لتجاوز معاناة النزوح بالعودة إلى مناطقهم وتفقد منازلهم، كان لا بد لهم من المرور فوق الألغام والعبوات الناسفة أولًا.
دعوات دولية عدة طالبت الأهالي بعدم العودة إلى الرقة، محذرةً من كارثة إنسانية قد تودي بحياة العشرات أسبوعيًا، فيما تسابقت دول العالم لضخ أموالها في إعادة إعمار المدينة المنكوبة، بما فيها إزالة الألغام، التي لم ينجز منها سوى القليل، مع تجاهل دولي لما يجب أن يرافق تلك العملية من توفير الرعاية الصحية للمتضررين والمصابين من مخلفات الحرب.
نقاط طبية لا تكفي للكم “الهائل” من الضحايا
تشير الأرقام الأممية إلى أن الألغام في الرقة تتسبب بمقتل من 50 إلى 70 شخص أسبوعيًا، في أرقام وصفتها منظمة الأمم المتحدة بالصادمة، والتي تنذر بخطر أكبر في حال استمر السكان، وعددهم 450 ألف، بالعودة إليها.
وفي مؤتمر صحفي عقده مساعد الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، بانوس مومتزيس، الأربعاء 7 شباط، قال إن البيانات تشير إلى “كم هائل” من الألغام التي لم تنفجر بعد، وتابع، “لم نر مطلقًا كمية ذخائر لم تنفجر مثلما يوجد في الرقة، كمية هائلة، في كل منزل وكل غرفة وكل شبر بالمدينة“.
وتماشيًا مع ذلك، خصصت منظمة الصحة العالمية ومنظمة “أطباء بلا حدود” نقاطًا طبية عدة في قرى الرقة وعين عيسى والطبقة مهمتها تقديم الخدمات الصحية والرعاية الطبية للمصابين من الألغام، فضلًا عن جهود تطوعية فردية تقوم بها بعض الفرق والأفراد.
إلا أنه وبحسب ما نقلت مراسلة عنب بلدي، فإن تلك المراكز لا تكفي للكم الكبير من المصابين، إذ لا يوجد إلا مركز واحد في بلدة عين عيسى تابع لمنظمة “أطباء بلا حدود”، والذي يشهد ازدحامًا كبيرًا وصلت معه الأمور إلى نوم المصابين على الأرض لقلة توفر الأماكن، فضلًا عن سوء الخدمات المقدمة، وفق ما ذكر مصابون للمراسلة.
فيما تغيب المراكز التخصصية التي تعنى بالمصابين جراء انفجار الألغام والعبوات الناسفة والذي غالبًا ما يترافق مع فقدان المصاب لإحدى قدميه أو كلتيهما، إذ لا توجد حتى الآن مراكز متخصصة لمبتوري الأطراف، تعمل على تأمين الأطراف الصناعية لهم، أو على الأقل تتابع حالتهم المرضية، وفق ما نقلت المراسلة.
تلك الفجوة التي لم تستطع منظمات الصحة الدولية سدها حتى الآن، تدفع بعض مصابي الألغام للجوء إلى المستشفيات الخاصة، والتي تتلقى مبالغ مادية كبيرة لقاء العلاج، وصلت معها إلى حد الدفع بالدولار.
ويقدر عدد السكان العائدين إلى الرقة منذ خروج تنظيم “الدولة” منها، منتصف تشرين الأول 2017، بستة آلاف مواطن، عادوا إلى مناطقهم المدمرة، فيما لا يزال آخرون يترددون إلى المدينة لتفقد منازلهم ومعرفة ما حل بها جراء النزاع المسلح.
المصدر : عنب بلدي