50 يومًا على معركة الرقة والمدنيون هم الخاسر الأكبر

يبدو أن معركة الرقة أخذت أكثر مما كانت تتوقعه “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من التحالف الدولي، فبعد 50 يومًا على إطلاق المعركة بشكل رسمي لا يبدو أن المعركة ستنتهي في القريب العاجل بسبب استبسال تنظيم “داعش” في الدفاع عن المدينة واتباعه أساليبه المعتادة في القتال.

حيث تشير مصادر تنظيم داعش أن عدد العمليات “الانتحارية” في مواقع “قسد” داخل الرقة بلغ 6 عمليات، سواء بالسيارات المفخخة أو “الاستشهاديين” كما يطلق عليهم التنظيم، وتتركز العمليات في محيط جامع العتيق، إضافةً إلى أحياء الجبهتين الجنوبية والغربية.

“قسد” تتقدم وسط مواجهة شرسة

تستمر القوات الكردية بالتقدم على حساب تنظيم “داعش” في مدينة الرقة، وحتى هذا التاريخ تدعي تلك القوات أنها أحكمت السيطرة على 50% من مساحة المدينة، وأنها استعادت السطيرة على بعض أحياء المدينة البالغة 26 حيًا ومن بين الأحياء التي سيطرت عليها القوات: السباهية، الرومانية، اليرموك، القادسية، بريد الدرعية، قسم من “نزلة شحاذة”، المشلب، الصناعة، إضافةً إلى أجزاء من المدينة القديمة، والبتاني، وتل البيعة، وأجزاء من هشام بن عبد الملك، والجسر الجديد المقام على نهر الفرات الذي يحاذي مدينة الرقة من الجهة الجنوبية.

أعلن الائتلاف السوري في بيان له، أن حزب الاتحاد الديمقراطي وفروعه الأمنية والعسكرية هي، تنظيمات إرهابية، ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي والإنساني

وآخر ما سيطرت عليه القوات الكردية، محيط جامع المصطفى بالكامل في وسط حي نزلة شحادة جنوب المدينة. واخترقت المدينة القديمة، بعد يومين من إعلانها استقدام تعزيزات مدربة إلى الخطوط الأولى للمواجهات، في الوقت الذي أعلن فيه “داعش” في 26 يونيو/تموز الجاري أنه قتل 21 عنصرًا من “قسد” بعمليات، نفذها انتحاريون قرب مفرق الجزرة غربي الرقة.

تنحصر المعارك في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة، وأعلنت القوات الكردية أنها تحرز تقدمًا في حي “نزلة شحاذة”، في وقت تحاول فيه فصائل أخرى تتبعها، وتحقيق تقدم مماثل في حي هشام بن عبد الملك، جنوبي شرقي المدينة، في مسعى لالتقاء القوتين. والهدف العملي يتمثل في التوصل إلى فصل مسلحي التنظيم عن نهر الفرات، وتضييق الخناق عليهم داخل المدينة. في حين يُحاول تنظيم “داعش” استعادة زمام المبادرة، فقد صدت “قسد” هجمات عكسية عدة على أكثر من محور خلال اليومين الماضيين، وفق مصادر ميدانية.

طيران الروسي يتبع خيار “غروزني” عبر حرق الأخضر واليابس في ريف الرقة الجنوبي الشرقي التي تحاول قوات النظام والميليشيات الإيرانية التقدم فيه

طوال الخمسين يومًا الماضية من بدء المعركة لم تستطع “قوات سوريا الديمقراطية” حسم المعركة لصالحها، بالرغم من دعم طيران التحالف الدولي لها وتدمير مساحات واسعة من المدينة بذريعة تواجد أفراد التنظيم فيها. ووسط تأكيد تلك القوات أنها انتزعت السيطرة على نحو 50% من مساحة مدينة الرقة منذ بدء المعركة في السادس من الشهر الماضي، تشير مصادر محلية أن المساحة التي تسيطر عليها القوات الكردية تتقلص في الليل، إذ تتراجع عن مواقع لها تفاديًا لسيارات التنظيم المفخخة والهجمات المعاكسة عبر أنفاق حفرها في إطار استراتيجية دفاع عن المدينة حالت دون تراجعه، وخاصة في القسم الشمالي من المدينة.

ويُذكر أن خروج قوات النخبة السورية التابعة لرئيس “الائتلاف الوطني السوري” السابق، أحمد الجربا، من المعركة، وإخلاء مواقعها في شرقي مدينة الرقة نتيجة خلافات مع “قوات سورية الديمقراطية”، غذى الاتهامات ضد القوات الكردية بأنها تحاول فرض إرادتها على مجريات المعركة واستفرادها بالنصر في المدينة. علمًا أنه كان هناك تعويل على قوات “النخبة السورية” لتبديد المخاوف من سيطرة الوحدات الكردية على الرقة ذات الغالبية العربية المطلقة.

طيران التحالف الدولي يكرر سيناريو الموصل في العراق بالرقة، فالقصف العشوائي على المدينة لا يميز بين بشر وحجر

إلى جانب ذلك، فقد أعلن الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية، اليوم الأحد، في بيان له، أن حزب الاتحاد الديمقراطي وفروعه الأمنية والعسكرية هي، تنظيمات إرهابية، ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي والإنساني”.

وأوضح البيان أن الجرائم التي ارتكبها الحزب: “تشمل عمليات قتل وتصفية خارج القانون، وتهجير​ ​آلاف السوريين من مختلف المكونات من بلداتهم وقراهم، واستخدام أساليب القمع والإرهاب بحق القادة السياسيين وناشطي الحراك الثوري في المناطق التي تحتلها مليشياته، واعتقال قسم منهم ونفي آخرين إلى خارج سورية، في أساليب مشابهة لما يقوم به النظام والمليشيات الإرهابية”.

هل يشابه مصير الرقة مصير الموصل؟

ذكرت مصادر محلية في الرقة، أن طيران التحالف الدولي يكرر سيناريو الموصل في العراق بالرقة، فالقصف العشوائي على المدينة لا يميز بين بشر وحجر، وترتفع المأساة الإنسانية في المدينة بسبب تواجد نحو 50 ألف مدني عالق داخل المدينة يقبعون تحت ظروف إنسانية غاية في السوء، كما حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنساينة في المدينة.

وقالت الأمينة العامة المساعدة للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أورسولا مولر، لمجلس الأمن الدولي في تسجيل مصور من الأردن، يوم الخميس الماضي، إن ما يراوح بين 20 و50 ألف شخص لا يزالون في الرقة، مشيرة إلى أن المدينة محاصرة و”لا توجد وسيلة لهم للخروج”.

تشير مصادر تنظيم داعش أن عدد العمليات الانتحارية  في مواقع “قسد” داخل الرقة بلغ 6 عمليات، سواء بالسيارات المفخخة أو “الاستشهاديين”

حيث يقتل طيران التحالف الدولي يوميًا العشرات، بينهم عائلات كاملة بحسب اللجان داخل المدينة التي توثق المقتولين من المدنيين بسبب القصف الذي يطال المدينة من أكثر من مصدر، حيث أفادت تلك اللجان أن الخميس الماضي شهد مقتل 13 شخصًا من عائلة الزنّا في قصف لطيران التحالف على الرقة، كما يقتل مدنيين أيضًا بسبب قصف القوات الكردية على المدينة، إذ قتل يوم الجمعة الماضي عدة أفراد من عائلة المجبل معظمهم أطفال، إثر القصف الصاروخي من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” التي تعرضت له منطقة سوق الهال القديم في وسط الرقة.

وفي مكان آخر من المدينة ولكن في الريف الجنوبي الشرقي، هناك كارثة أخرى مع تقدم قوات النظام والميليشيات الإيرانية في الريف القريب من دير الزور، تقدم تلك القوات مصحوب مع دعم جوي روسي كثيف يحلق في الأجواء، حيث أفادت مصادر إعلامية أن الطيران الروسي يتبع خيار “غروزني” عبر حرق الأخضر واليابس. إذ أكد ناشطون أن أكثر من 100 مدني قتلوا خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة القصف الجوي الروسي على قرى وبلدات ريف الرقة الجنوبي الشرقي.

أمام كل يما يجري في الرقة يجدر التنبيه أن الخاسر الأكبر من هذه العملية هم المدنيون الذين لا أحد يكترث لحالهم ولمأساتهم. ووفق أفضل السيناريوهات فإن امتداد المعركة لشهر آخر سيؤدي إلى مقتل المزيد من المدنيين إلى جانب المزيد من الدمار في البنى التحتية للمدينة.

المصدر : نون بوست