معركة الرقة، تدمير وتهجير

الرقة تذبح بصمت

تتكشف يوماً بعد يوم الاستراتيجيّة التي ينتهجها التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتحدة الأميريكيّة الداعم لميليشيات سوريا الديمقراطيّة “قسد”، بهدف السيطرة على محافظة الرقّة وانتزاعها من يد تنظيم داعش، استراتيجيّة تدميريّة متمثّلة بالقصف الجويّ والمدفعيّ المكثّف اللذين يسبقان أي محاولة للسيطرة، ممّا خلف مقتل العشرات من المدنيين في كلّ يوم، فضلاً عن حجم الدّمار الهائل الذي يلحق بالبنية التحتيّة، والممتلكات، والأبنية السكنيّة، ودور العبادة التي لم تسلم هي أيضاً من هذا القصف.

فبعد انتهاء قوّات “قسد” من السيطرة على أرياف الرقّة من الجهات الأربع، أوقعت خلالها الكثير من الخسائر الفادحة في أرواح المدنيين، فضلاً عن إجبار الأهالي على ترك منازلهم، وإنشاء مخيّمات في البراريّ، وسحب أبنائهم وإجبارهم على الالتحاق بصفوف الميليشيات ناهيك عن إحالة ممتلكاتهم من بيوت، ومحالّ، ومنشآت حكوميّة، أثراً بعد عين، حتّى المقابر لم تكن بمنأى عن القصف، ممّا اضطرّ المدنيين إلى دفن موتاهم في فناء المنازل، أو في الحدائق العامّة، ليصل الأمر إلى باحات المدارس، وذلك بسبب صعوبة الوصول إلى أماكن دفن الموتى، كلّ ذلك بهدف تهجير أبنائها سعياً منها لإنشاء اقليم “روج آفا” المزعوم، واليوم ومع محاولة إكمال السيطرة على ما تبقّى من مدينة الرقّة تتابع مليشيا “قسد” الاستراتيجيّة ذاتها، ألا وهي القصف العشوائيّ على أحياء الرقّة، قبل الشروع في السيطرة التامّة عليها، إذ يذهب ضحيّة هذا القصف العشرات من المدنيين يوميّاً، حيث لايتمّ التمييز بين مواقع ومراكز تنظيم داعش الإرهابيّ، وبين ممتلكات المدنيين، سعياً منهم لاستكمال تدمير ماتبقّى من البنية التحتيّة المتهالكة أساساً نتيجة قصف طائرات النظام السوريّ، والطيران الروسيّ اللذين لم ينفكّا عن قصف الرقّة طيلة الأعوام الأربعة الماضية.

وبشأن سقوط هذا العدد الكبير والمتزايد من المدنيين بشكل كبير ويوميّ، وما يصاحبه من قصف للأبنية والممتلكات، كان قد نوّه إليه وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” مطلع الشهر الفائت: “أنّه لا مفرّ من سقوط ضحايا مدنيين”، فيما سمّاه “الحرب على الإرهاب”، في كلّ من سوريا والعراق، مضيفاً: “أنّ هؤلاء الضحايا يقعون في مثل هذا النوع من الأوضاع”، مشيراً: “إلى أنّ الولايات المتحدة تبذل كلّ ما بوسعها لتجنب ذلك”.

ويبقى حالّ تنظيم داعش، حال المتخبط الذي لا يملك أي خيارات أو حلول حيال ما يجري سوى الإنزواء والفرار، وتسليم الأرض مقابل أن يجد له مخرجاً، أو تجده يخرج من أنفاق وجحور اعتمدها لتسهيل حركته، أو الردّ على القوات المهاجمة بسيارات مفخخة وهو أضعف الإيمان وتضاف هذه التحرّكات لمسعى إضعاف وتدمير البنية التحتيّة للمدينة، على الرغم من إيمانه بأنّ الضربة القاضية ستوجه له في حال تمّ انتزاع الرقّة منه طال الأمد أو قصُر.

فيما يرى ناشطون حيال ما يجري في الرقّة اليوم من قصف وحشيّ وقتل غير مبرّر للمدنيين وتدمير للبنى التحتيّة، هو ضمن خطّة معدّ لها مسبقاً وليس توقعات أو احتمالات، خاصّةً وأنّ الصّور بالأقمار الصناعيّة تكشف حجم الدمار الذي يطال الرقّة بغية تغيير معالمها أقوى من كونها دليلاً على قصف مواقع التنظيم.

نهج تدميريّ ضمن سياسة أميركية مستقبليّة للسيطرة على الرقّة وإنشاء قواعد فيها، فضلا ً عن أطماع ميليشا” قسد ” لتحقيق بناء دولة كرديّة، تمّ اختيارها وتبديلها ديموغرافيّاً، كونها أداة طيّعة أكثر من غيرها، في تنفيذ المطالب الأميركية.