الرقة واقع غذائي ّوصحيّ متردّي

الرقة تذبح بصمت

لطالما تميٰزت الرقّة باقتصادها المتنوّع، حيث كانت مساهماً بقوة في الناتج السوري المحليّ، وخاصّة في مجال الزراعة والثروة الحيوانيّة، والتي يعتبر مردودها الأهم والأكبر لمحافظة الرقة، إذ تبلغ المساحة المخصصة للزراعة نحو 34% من مجموع أرضها، لكن وعلى الرغم من كلّ هذه المميّزات والمقوّمات، إلّا أنّها تعاني اليوم نقصاً حادّاً في الموارد الغذائيّة، ويعود ذلك لعوامل كثيرة أهمها: تحّكم تنظيم داعش بهذه الموارد من خلال احتكارها وتصديرها لمناطق االنظام ومناطق سيطرته في العراق، ناهيك عن الضرائب االتي يفرضها التنظيم على المزارعين، وكذلك تدمير الجسور الواصلة بين الريف والمدينة من قبل طيران التحالف، والذي أسهم بشكل مباشر بارتفاع الأسعار، خاصّة وأنّ المزارعين أصبحوا يعتمدون على القوارب والعبارات لنقل محاصيلهم إلى المدينة، ولعلّ العامل الأبرز هو تقدّم الميليشيات الكرديّة باتجاه مدينة الرقّة وحصارها لها، وسيطرتها على الطبقة وسدّ الفرات، ممّا أضعف حركة شحن الموادّ الغذائيّة والتموينيّة. 

كلّ ذلك انعكس على الوضع المعيشي لمحافظة الرقّة، وسكانها الذين يعتبرون المتضرّر الأكبر والمباشر، وذلك بسبب الارتفاع الجنونيّ لأسعار الموادّ الغذائيّة، التي أخذت تتزايد يومًا بعد يوم، وخاصّة للمادّة الرئيسيّة الخبز، إذ يصل سعر رغيف الخبز لحوالي 40 ليرة، وذلك بعد أن كان يُقدّر إنتاج الرقة من القمح بنحو 600 طن، لينخفض للنصف مع سيطرة تنظيم داعش، والمتاجرة به خارج مناطق سيطرته، لزيادة دعمه العسكريّ، حتّى اللحوم لم تكن بمنأى، وذلك بسبب استنزاف التنظيم للثروة الحيوانية، وتهريب المواشي إلى تركيا والعراق. 

مميّزات اقتصاديّة، لم تغفر للرقة سدّ حاجـة أبنائها من مردودها، الذين يجدون أنفسهم كل يوم في صراع لتأمين لقمة العيش، ليصل الحال بهم لبيع أثاث منازلهم، خاصّة وأنّهم مقبلون خلال أيّام قليلة على شهر رمضان المبارك. 

ولا ينتج عن وضع غذائيّ متردّي سوى وضع صحيّ أكثر رداءة، في ظل تضييق التنظيم على المنشآت الصحيّة، والتي أصبح فيها ميزة العلاج والأفضلية لعناصر التنظيم وعوائلهم، كما وأوقف عمل المنظمات الطبيّة، والتي كانت تأخذ على عاتقها تأمين الأدوية، ومكافحة الأمراض المعدية والمتفشية، والتي تعدّ اللشمانيا أبرزها. 

وعن حالة المشافي وآلية عملها في الرقّة، أكّد أحد العاملين في القطاع الصحيّ للـ الرقّة تذبح بصمت، قائلاً: “أنّ جميع الأجهزة في المشافي لا تعمل إلّا القليل منها، وذلك بسبب عدم صيانتها، أو استبدال التالف منها، وتابع: أنّه هناك أقسام كثيرة خرجت عن الخدمة، وخاصّة المشفى الوطنيّ، ومشفى التوليد، وذلك بسبب القصف من قبل طيران النظام، وطيران التحالف الذي أصبح في الأيام الأخيرة يصعّد من وتيرة قصفه على قلب المدينة”، ولم يتوقّف القطاع الصحيّ عند هذا الحال، بل عمل تنظيم داعش على التضييق على أطباء المدينة، والتدخل في شؤون عملهم، ممّا دفع قسم كبير منهم لترك الرقّة، والتوجه إما إلى مناطق سيطرة النظام، أو تركيا. 

كما تعاني المدينة من نقص حادّ في الأدوية، إذ كانت تعتمد بعد تحريرها من قبضة النظام على تأمين الأدوية والمواد الطبيّة من تركيا، والتي أوقفتها بعد سيطرة داعش على الرقّة.

ليبقى مدنيو الرقة اليوم تحت سوط داعش، ورحمة صاروخ أعمى للتحالف، أو صرير أمعاءٍ خاوية وأجسادٍ منهكة.