معركة الرقة مؤجلة وميليشيات الـ YPG تتخندق في كانتونها

معركة الرقة مؤجلة وميليشيات الـ YPG تتخندق في كانتونها

خاص – الرقة تذبح بصمت

خرج ريف الرقة الشمالي عن سيطرة تنظيم داعش منتصف العام 2015، وأصبح تحت سيطرة مليشيات الــ YPG التي أوقفت خلال العام المنصرم جميع الجهود العسكرية الرامية إلى طرد تنظيم داعش من الرقة، لابل إنها عملت على إضعاف فصائل الجيش الحر التي كانت حليفتها ولا سيما في معارك عين العرب (كوباني).

وكانت فصائل الجيش الحر التي تنتمي إلى منطقة الرقة مثل “لواء ثوار الرقة” و”لواء التحرير” من الفصائل المشاركة بالسيطرة على شمال الرقة، بالإضافة إلى مجموعة من فصائل ريف حلب الشرقي والتي كانت جميعها منضوية تحت مسمى غرفة عمليات بركان الفرات، وكان الهدف المعلن الذي يجمع هذه الفصائل هو جعل شمال الرقة نقطة انطلاق من أجل تحرير مدينة الرقة وسائر المحافظة من قبضة التنظيم المتطرف، ولكن هذا الهدف لم يتحقق لأن مليشيات وحدات حماية الشعب عمدت منذ اللحظة الأولى إلى اضعاف هذه الفصائل، فكانت البداية بطرد فصيل “لواء التحرير” الذي يتولى قيادته ( أبو محمد كفر زيتا) باتجاه مدينة رأس العين ومن ثم إخراجه من البوابة الحدودية إلى الأراضي التركية ومن ثم ضمه تحت لواءها مجدداً بعد اظهاره الولاء التام لهم.

ومع مرور الوقت بدأ الشبان العرب من أهالي المنطقة بالانضمام إلى “لواء ثوار الرقة” الذي سارع إلى كسب ود عشائر المنطقة الشمالية من خلال مساعدتها في تشكيل ما أطلق عليه (جيش العشائر) حينذاك، ولكن قوات الــ YPG وأدت هذا المشروع في مهده لأنها أدركت أن هذا التشكيل سوف يخلق حالة من توازن القوة في المنطقة، مما يشكل تهديداً مباشراً لقوات الحماية التي يغلب عليها الطابع القومي (الكردي) في منطقة شمال الرقة التي تقطنها أغلبية من السكان العرب.

ويبدو أن هذه الحادثة كانت بمثابة ناقوس الخطر لوحدات الحماية التي تنبهت إلى انفراط تحالفها الهجين مع الفصائل العربية مما ينذر بتعريتها أمام الرأي العام وكشف وجهها القبيح الذي يضمر مشروعاً انفصالياً وإقصائياً أكثر قبحاً، كل هذه المعطيات دفعت قوات الحماية إلى تشكيل ما سمي بـ “قوات سورية الديمقراطية” كواجهة حضارية تضم في الظاهر مجموعة واسعة من القوميات والإثنيات المتواجدة في المنطقة، ولكن الواقع أثبت أن وحدات الحماية هي العنصر المهيمن على هذا التشكيل الوليد وهي المتحكم الوحيد بقراراته وخياراته خلال الفترة المنصرمة، وأن ما عداها من المجموعات والتشكيلات ليس أكثر من ديكور هامشي لتحسين صورتها أمام السكان المحليين في المنطقة من سائر الأعراق والطوائف.

ولكن هذه المناورة التي قام بها حزب الإتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري المتمثل بقوات الــ YPG لم تنطلي على أحد من أبناء المنطقة، ولا سيما بعد أن كشفت هذه القوات ومن يقف وراءها عن مشروعها بشكل واضح وصريح حين أعلنت عن قيام “كانتون فيدرالي” في مناطق متفرقة من شمال سورية، وذلك دون أخذ رأي سكان تلك المناطق أو إجراء أي استفتاء أو على الأقل الدخول في مباحثات ومشاورات مع القيادات الفعلية لسائر مكونات المنطقة، والإقتصار على مشاركة بعض الأعضاء المعينين من قبلهم لحضور المؤتمر الشكلي الذي أعلن في ختامه عن قيام هذا الكانتون الجديد.

وفي ظل كل هذه الأحداث والمتغيرات يثور التساؤل القديم الجديد: أين أصبحت “معركة الرقة” على أرض الواقع؟

منتصف العام 2015 كانت الشعارات التي أطلقها قادة في الجيش الحر أن الرقة باتت قاب قوسين أو أدنى من الخلاص من براثن تنظيم داعش، ولكن مع مرور الوقت أيقن الجميع أن مثل هذا القرار ليس بأيديهم طالما أن القوة الراجحة شمال الرقة والغلبة لميليشيات الـ YPG التي سارعت إلى حفر الخنادق التي تفصلها عن مناطق سيطرة التنظيم جنوباً وتعزيزها بشكل كبير في ما يشبه الحدود بين الدول، الأمر الذي يرسل إشارات واضحة على نية قوات الحماية بالتقوقع والإكتفاء بالمناطق التي سيطرت عليها مسبقاً، وعدم رغبتها بالتحرك متراً واحداً جنوب هذا الخندق وفقدان أي مقاتل مع تنظيم داعش في أراض يعتبرون أنها خارج حدود إقليمهم المفترض وكانتوناتهم التي تتحول تدريجياً إلى ما يشبه مستوطنات متفرقة يتم توطين أكبر عدد ممكن من الأكراد فيها في مقابل تهجير السكان العرب والتركمان من ديارهم وأراضيهم.

وفي الأثناء تدّعي قوات الحماية وربيبتها قوات سورية الديمقراطية تحريك بعض العتاد والمعدات العسكرية الثقيلة بين منطقتي عين العرب وعين عيسى بين الفينة والأخرى، في خطوة استعراضية ودعائية لتغطية عجزها أو نكوصها عن مواجهة التنظيم وطرده من مناطق جديدة خارج حدود كيانهم حديث النشأة، حتى أن هذه القوات لم تتحرك لدفع تنظيم داعش جنوب عين عيسى لحماية معسكراتها من نيران التنظيم الذي يقوم بقصفها بين الحين والآخر وتسلل بعض مقاتليه وتنفيذ تفجيرات وضربات داخلها.

وفي هذا السياق يقول أحد المدنيين من أبناء المنطقة فضل عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية لمراسل “الرقة تذبح بصمت”: “إن جل التحركات العسكرية في المنطقة منذ ما يزيد عن العام لا يعدو سوى تحريك بعض المقاتلين وإعادة توزيعهم على الجبهات التي يتمركز فيها الحزب (والحزب كلمة متعارف عليها محلياً شمال الرقة ويقصد بها قوات الــ YPG )، فالهم الأول والأخير لهم وعلى لسان العناصر والقادة هو الأراضي التي يعتبرها الحزب أراض كردية.” ويضيف: “هم ليسوا عاجزين عن مواجهة التنظيم في الرقة، وخير دليل على ذلك معاركهم معه في ريف حلب الشرقي في خضم محاولاتهم لانتزاع أراض جديدة على الضفة الغربية من نهر الفرات وضمها لكيانهم المزمع تشكيله، وكذلك سعيم الحثيث للسيطرة على كامل محافظة الحسكة من خلال مواجهة التنظيم هناك، ولكن الحقيقة فيما يخص الرقة هي ما يقولونه حرفياً (لسنا مستعدين لخسارة مقاتل كردي واحد من أجل أراض عربية).”

وفي ظل هذا التغول الذي تمارسه وحدات الحماية في منطقة شمال الرقة وسائر الشمال السوري، تجدر الإشارة إلى أن بعض مقاتلي الجيش الحر تم تدجينهم وتحويلهم إلى ذراع أمنية لحفظ الأمن ومنع اختراق داعش للمنطقة الشمالية، كما عمدت قوات الحماية من جهة أخرى إلى إغراء بعض القيادات في صفوف لواء ثوار الرقة من خلال تسليمهم بعض المناصب في قوات سورية الديمقراطية، الأمر الذي شجع الكثير منهم على الانشقاق والانضمام فرادى إلى هذا التشكيل الهجين مما ينذر بتفكك اللواء وانفراط عقده، في خطوة تهدف إلى إضعاف باقي التشكيلات المنافسة في المنطقة وإن كانت ضعيفة بالأصل وتعاني الأمرين سواءً على صعيد تمثيل أبناء المنطقة أو التمتع بالرضا والمقبولية لدى شريحة وازنة منهم.

وفي المحصلة يتعزز الشعور العام لدى أبناء الرقة أن القوات المتواجدة شمالاً هي قوات معادية بالنسبة لهم، ليس فقط لأنها قوات تحمل ميولاً قومية وإقصائية ظاهرة للعيان ولكنها أيضاً لا تعدو أن تكون قوات احتلال أخرى تريد السيطرة على الأجزاء التي تحلو لها من الرقة، وأصبح شبح التقسيم هو الهاجس الشاغل لأبناء الرقة الذين باتوا بين نارين، حيث يجثم على صدورهم أعتى تنظيمات العالم تطرفاً ووحشية، بينما يتربص بهم “فئة ضالة ومضلة” من أخوة وأبناء وطن واحد كانوا ومازالوا يعيشون مع سائر مكونات الشعب السوري بعيداً عن هذا الفكر القومي الشوفيني الذي يحمله قيادات وأفراد قوات الحماية تجاه القوميات الأخرى في سورية.