داعش وإيديولوجيا التطرّف

خاص – الرقة تذبح بصمت

ذهب تنظيم “داعش” بعد إعلانه ما أسماها “الدولة الإسلامية” إلى تثبيت أركانها من خلال إنشاء دستور تعتمد قوانينه على فتح ما تيسر من البلاد الإسلاميّة ليطبّق بذلك أعتى أنواع الإرهاب الجسديّ والنفسيّ.

وكون “داعش” يؤسّس ويطوّر، كبقية الدول، فلا بدّ أن يمرّ بعدّة أطوار، أولّها إضعاف الأمم التي يغزوها بأعمال إرهابيّة واستنزاف موارد مؤسّساتها عن طريق خلق الفوضى وتعطيل تنميتها وقدراتها وجعل حكوماتها عاجزة عن تسيير أبسط الأمور فيها، لينتقل لاحقاً إلى طور الوعيد والترهيب من خلال بثّ الرعب في أجهزة أمن الدول وانسحاب جيوشها من المواقع التي تسيطر عليها وهو حصل في الرقّة في سوريا والموصل في العراق، إذ يتّبع التنظيم سياسة نشر الخوف والهلع في نفس كلّ من يحاول الوقوف في وجهه من خلال بث أفلامه الهوليوديّة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ أو من خلال النُقاط الإعلاميّة التي يقيمها في الشوارع العامّة في مناطق سيطرته.

أمّا الطور الثالث فهو طور تثبيت ونهوض الدولة، فبعد بثّ الرعب في نفوس أعدائه وهروب عناصر الجيوش الجرّارة أمامه وعجزها عن مجابهته بسبب تنفيذ أعماله الانتحاريّة، يسيطر التنظيم على أهم موارد هذه الدول وبخاصّة النفط، كما حصل في العراق، حيث استولى على كبرى حقول البترول ومعامل التكرير وبعض البنوك، وهو ما أعطاه دفعاً اقتصاديّاً لتجنيد المزيد من أنصاره أو حتّى المرتزقة الذين لا يؤمنون بفكره.

وما إن يصل التنظيم إلى مرحلة التمكين حتى ينشئ الدواوين والمحاكم الخاصّة وأجهزة الشرطة المدنيّة والعسكريّة الخاصة به، إضافة إلى تبادل السفارات بين الولايات التي خضعت لسيطرته كولاية حمص وولاية حلب وغيرها، وهو ما جعل خبراء عسكرييين محليين ودوليين يجمعون على أنّ هزيمة داعش لا تتمّ دون وجود قوّات بريّة على الأرض، فالغارات الجويّة وحدها لاتكفي علماً أنّ مقاتلي التنظيم يختبئون بين المدنيين ولا يترددون في استخدامهم كدروع بشريّة وبخاصّة أنّ في ظلّ منعهم من مغادرة مناطق سيطرت التنظيم أو اللّجوء إلى مناطق أكثر أمناً.

وفي ظل هذه المعطيات لا بدّ من إيجاد طريقة لمواجهة تمدّد داعش ووضع حدّ له من خلال نزع يده عن مقدّرات المناطق التي يسيطر عليها والتي ساهمت في إنشاء دولته المزعومة، وكلّ ذلك يتمّ بالعمل على محاور عدة، أولّها تشكيل قوّة أمنيّة خاصّة تتولى في المرتبة الأولى حماية المواطن وإبعاده عن مناطق الخطر وحماية مناطق الضعف في هذه الدول وتجفيف منابع الإرهاب ، وثانيها تركيز حكومات الدول على عنصر الشباب الذي يشكل الفئة الأكبر في جميع المجتمعات عبر خلق فرص تنمية جديدة لهم قد تشكّل الوسيلة الأنجع لدحر الإرهاب أو التخفيف من حدّة الانجرار وراءه، وكذلك التشجيع على خلق فرص الاستثمار بغضّ النظر عن العمليّات التي يقوم بها التنظيم وعدم تحجيم هول هذه العمليّات وإعطائها أبعاداً سياسيّة أو طائفيّة.

أما المحور الثالث فيرتكز على الإعلام وهو المروّج الأكبر لعمليّات داعش سواء كان كان مناهضاً أم مشجعاً لفكره، إذ يقوم بعرض مقاطعه المروعة التي تبثّ الرعب في نفوس المواطنين وتعبث بأفكارهم وهو الهدف الذي يطمح إليه التنظيم، وينطبق هذا على شركات الإنترنت العالميّة التي تعتبر الوسيلة الأسهل والأسرع والأكثر توافراً من خلال قيامها بإغلاق جميع الحسابات التي تنشر مثل هذه المشاهد، وبهذا يتمّ عزل داعش عن العالم وتكون الحكومات قد قطعت نصف الطريق إلى هزيمة الإرهاب، فيما تستطيع تعبيد هذا الطريق عبر هزيمة التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، باعتبار أن “داعش” أصبح قبلةً للإسلام السياسيّ المتطرّف الذي يؤمن بسياسة العنف وهو ما يقوم عليه المحور الرابع.

ويبدو للمراقب أنّ دحر داعش مرتبط بالإصلاح السياسيّ والتجديد في الفكر السياسيّ للوقوف أمام نهج هذا التنظيم التدميريّ وإعادة بناء هيكليّة لكلّ دولة وفق شروط المواطنة، بالتزامن مع إشراك الدولة ككلّ في محاربة داعش فالسلطة وحدها أو الحكومة وحدها لا تستطيع دحر الإرهاب دون إشراك الدولة ككل.