لماذا يُقتل الرجل رقم 2 دائماً ؟

خاص – الرقة تذبح بصمت

تتوارد الاخبار العاجلة بشكل يومي, عن قيام التحالف الدولي بتنفيذ غارات في أماكن مختلفة تحت سيطرة تنظيم داعش, في معظم تلك الغارات التي تنفذ بواسطة طائرات بدون طيار, فإنه يعلن عن مقتل الرجل الثاني أو الثالث في التنظيم, كما أعلن عن مقتل أبة العلاء العفري الرجل الثاني في التنظيم خلال شهر أذار المنصرم, ليتبعه بإعلان مقتل الشيشاني الرجل الثاني في التنظيم بغارة جوية في منطقة الشدادي في ريف الحسكة, إلا أنّ إمكانية استهداف البغدادي والذي يعد هدفاً صعباً للغاية, والذي يقابل منصبه منصب الرئيس التنفيذي أو الرأس الإيديولوجي لداعش, ومن هذا المنطلق، لا ينبغي عليه التحرك بشكل كبير أو الخروج إلى الميدان بشكل حقيقي؛ فوظيفته في الغالب تنطوي على إصدار الأوامر، وفي بعض الأحيان، إصدار مقاطع الفيديو الترويجية.

مما يعني أنّ البغدادي قادر على الاستمرار بالتواجد في أماكن إختبائه أينما كانت, وتجنب الإتصال بالعالم الخارجي, مما يجعله هدفاً صعباً للغاية على وكالات الإستخبارات العالمية.

يُفسّر هذا الاختلاف في المسؤوليات ربما السبب خلف صعوبة الولايات المتحدة في قتل البغدادي، على الرغم من محاولتها العديدة لاستهدافه، ونجاحها رغم ذلك بقتل العديد من نوابه.

في الوقت الذي يمكننا فيه أن نفهم السبب الذي يحذو بحكومة الولايات المتحدة لإعلان نصرها المزعوم بقتل العفري، إلا أن هناك أسباب أخرى تدعونا للشك في أن قتل الرجل رقم 2 ضمن الجماعة ليس في الواقع حدثًا يرتب نتائج مهمة؛ فالجماعات الإرهابية، كداعش وتنظيم القاعدة، تتمتع بتنظيم بيروقراطي، وغالبًا ما تكون قادرة على التعامل مع حوادث قتل كبار قاداتها من خلال ترفيع أشخاص جدد ليحلوا محلهم.

حصلت هذه النظرية على دعم كبير في دراسة صدرت عام 2014 عن جامعة جورجيا، والتي وجدت بأن الغارات “القاصمة”، التي تقتل فيها الولايات المتحدة قياديًا بارزًا ضمن جماعة إرهابية، لا تحوز إلا تأثيرًا طفيفًا لجهة الحد من عنف الجماعة، حيث تشير الدراسة إلى أنّ تنظيم القاعدة هو تنظيم بيروقراطي، يتمتع بما يشبه هيكلية القيادة الرسمية، التي تتضمن تقسيماً للعمل وتحديدًا واضحاً للمسؤوليات وما شابه ذلك، وهذا الأمر يسمح للقادة من المستوى الأدنى أن يتسلموا زمام القيادة بمجرد مقتل رؤسائهم.

ذات القاعدة تنطبق، على الأرجح، على تنظيم داعش، فكما يقول دافيد جارتنشاتين روس، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، “عمليات قتل القيادات الفردية لا تشل التنظيمات”، فمقتل العفري بحد ذاته، لن يسفر على الأرجح عن تداعيات في مستقبل داعش.

في الوقت عينه، يشير جارتنشاتين روس بأن العفري كان يتمتع بـ”اتصالات قوية للغاية داخل تنظيم القاعدة”، الذي ينخرط بحرب دموية مع تنظيم داعش ضمن سوريا تشتت وتضعف كلا المجموعتين، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد حاليًا بأن هذه الحرب ستبدأ بالتلاشي، وضمن هذا النطاق، يشير جارتنشاتين روس بأن إمكانية التقارب ما بين داعش والقاعدة، وعلى الرغم من انخفاض احتمالاتها أساساً، إلا أنها انخفضت بشكل أكبر مع مقتل العفري.

ولكن مع ذلك، فإن الفجوات الأيديولوجية والشخصية التي تتواجد ما بين المجموعتين ترجح استبعاد احتمالية أي جسر للهوة ما بينهما في المستقبل القريب، وهذا الأمر من شأنه أن يبقى صحيحًا حتى لو لم يُقتل العفري، ومن هذا المنطلق، فإن موت العفري لن يعكس على الأرجح تداعيات كبيرة على آفاق داعش.