لماذا ثار السوريّون ؟؟

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

خاص – الرقة تذبح بصمت

في الذكرى الخامسة للثورة السوريّة وبعد أن دخل السوريّون عام ثورتهم السادس، وهم يقارعون أعتى الأنظمة الاستبدادية في العصر الحديث “نظام الأسد الكيماوي” الذي دمّر البلاد وتسبَّب بأزمة إنسانية كارثية هي الأسوء بعد الحرب العالمية الثانية (خمسة ملايين مهاجر في الخارج وسبعة ملايين نازح في الداخل) إضافةً لنصف مليون شهيد قتلتهم قواته والمليشيات المتحالفة معه، وبلد مُدمّر وإرهاب يسيطرُ على نصف مساحة البلاد تقريباً واقتصادٍ على شفير الهاوية، يتبادر لذهن البعض اليوم سؤال من قبيل لماذا قام السورييّن بثورتهم هذه؟؟ وهم يعرفون أنّ هذا النظام مستعدٌ لحرق البلاد كُرمى أن يبقى هو وعصابته كابوساً يجثم فوق صدور السورييّن للأبد.

كي نحاول الإجابة عن هذا السؤال،علينا العودة إلى ما قبل آذار/مارس 2011 للتطلّع على أحوال البلاد والعباد فيها، في عام 2000 وبعد وفاة حافظ الأسد ورث ابنه البلاد بمن فيها بعد مسرحية صوريّة هزلية عدَّلت الدستور في زمن قياسي لكي يتناسبَ مع عمر”الرئيس الشاب”، شعر السوريّون حينها بالمهانة والمذلة، كانت بلدهم أولى الجمهوريات التي يرثُ فيها الابن أباه، تحوّلت دولتهم إلى “جمهورية ملكية”، لكنّ وعود الإصلاح والتغيير التي جاء بها الرئيس (الذي قيلَ عنه إنّه تأثر بقيم الحريّة والحضارة الغربية)، كُشفت لاحقاً وتبيَّن زيفها بعد إغلاق حركة المنتديات وزج العديد من كوادرها في السجون مجدداً التي مثّلت حينها فُسحة للانفراج السياسي وأملاً ضائعاً في التغيير السياسي.

على الصعيد الاقتصادي ونتيجةً لاعتماد حكومة العهد الجديد مقاربة اقتصادية تسلطيّة ليبراليةأفضت إلى تركيز الثروات بيد طبقة برجوازية جديدة من رجال الأعمال المتحالفين من السلطة وإزالة الدعم الحكومي على الكثير من السلع والخدمات والإهمال والتخريب المتعمد لقِطاعي الزراعة والصناعة كمساهمين استراتيجيين في الاقتصاد السوري والاتجاه نحو السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية تحت أي ثمن، كلّما سبق أدى إلى إفقار السورييّن وفقاً للباحث السوري(1) محمد جمال باروت فإن نحو 22 بالمئة من السكان، يُصنَّفون ((تحت خط الفقر الأعلى))، ويبلغون 4.218 ملايين نسمة وفق تقديرات عام 2007 أو ما يعادل 4.536 ملايين نسمة، وفق تقديرات عام 2010 ، إلى ما تحت خط الفقر الأدنى ، ليصبح عدد من هم تحت خطّ الفقر نحو 7 ملايين نسمة، يمثّلون 34.3 في المئة من سكان سورية. ناهيكَ عن معدلات البطالة العالية التي وصلت 16.5% عام 2009 يمثلون على مستوى الحجم السكاني 3.4 ملايين عاطل عن العمل بحسب الباحث ذاته أيضاً .هذه الأرقام تعطينا لمحة ًعن شعارات التطوير والتحديث الفارغة التي رفعها نظام الأسد الابن في العشرية الأولى من حكمه.

من الناحية الاجتماعية كان التركيز على التَّنمية وتوجيهها نحو مراكز المدن الرئيسية وإهمال المدن الطرفية على سبيل المثال (محافظات الرقة _ دير الزور_الحسكة ) التي شكّلت خزّاناً للبطالة والفقر ودفعت الكثير من سكانها إلى ترك مدنهم وقراهم التي ضربها الجفاف ونزوحهم تجاه المدن الكبيرة مما أدى إلى تشكيل أحزمة عشوائية طوقت المدن الكبيرة وراكمت مشاكل اجتماعية وطبقية خانقة عززتها السياسات الموجهة نحو اقتصاد السوق التسلطي “المُلَبْرل” الذي أدى إلى خلق هُوّة سحيقة في بنية المجتمع السوري وقضت بشكل متواتر على الطبقة الوسطى التي تأكلت بفعل هذه العوامل وقسّمت المجتمع إلى طبقة محيطة ومنتفعة من السلطة تتركز بيدها كل الثروات، وطبقة مسحوقةٍ ومحرومةٍ من كل حقوقها الإنسانية.

وعندما بدأت حركة الاحتجاحات الشعبية في عام 2011 التي أُطلق ” الربيع العربي ” في تونس وانتقلت إلى مصر وليبيا واليمن في حركة وسيرورة تاريخية طبيعية، خرج رأس النظام متباهياً بأنّ بلاده في مَنعة ومأمن من رياح التغيير التي تغزو المنطقة مُعلِّلاً ذلك بأنّ سورية مختلفة عن مصر وتونس وهناك تلاحم بين “الشعب ” و”القيادة”، بَيد أنّ أول مواجهة مع السلطة تلت اعتقال أطفال درعا الذين كتبوا شعار المرحلة ((الشعب يريد إسقاط النظام ))على جدران مدارسهم واعتقالهم وتعذيبهم، والتعامل العنجهي مع ذويهم، واختيار السلطة الحل للأمني للتعامل مع مطالب الأهالي آنذاك؛ ثوَّر السوريين ضد هذا النظام الفاشي وأسقط إدعاءات السلطة ودخل الشعب السوري في مجابهة مفتوحة إلى يومنا هذا مع نظام استخدم كلّ ما بحوزته من أسلحة لسحق شعبٍ قام من أجل تحصيل حقوقه في الكرامة والحرية.

إذن ثار السوريّون وهم يكشفون اليوم سوءة العالم “المُتحضّر” ويعرّوها، العالم الذي يسدُّ أبوابه بوجه أفواج اللاجئين المتكدسين على حدوده، العالم الذي تغاضى ويتغاضى عن مجازر الأسد المتكرّرة ويُركّز على الإرهاب الذي نما وانتشر بسببه، العالم الذي يمثّله جون كيري الذي قال مؤخّراً : “إنّ تنظيم داعش يرتكب إبادة بحق المسيحيين والإيزيديين والشيعة في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق” متجاهلاً أنّ أكثر ضحاياه هم من ” العرب السُنّة” الذين ارتكب “داعش” في حقهم أفظع المجازر في قرية الشعيطات بمحافظة دير الزور وقتل خيرة شبابنا الذين حاربوه وفضحوه للعالم (( الشباب العاملين في حملة الرقة تذبح بصمت )) وغيرهم الكثيرين،إلاّ إنّه وبالرغم من كلّ ما حصل وعند أول انخفاض لمستويات عنف النظام وحلفائه الروس، عاد السوريّون إلى الشوارع وامتلكوها مُجدّداً، رافعين شعارات ثورتهم الأولى وماضّين فيها ضد كلَّ أشكال الاستبداد الدولتي والديني والقومي.

مصطفى الجرادي

(1) :  من كتاب العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية الجمود والإصلاح