داعش والنظام يتشاركان في حصار مناطق المعارضة المسلحة شمال سورية

خاص – الرقة تذبح بصمت

شن تنظيم داعش حملة عسكرية على ريف حلب الشمالي أسفرت عن سيطرته على عدة قرى في تلك المنطقة وأهمها صوران إعزاز، حاول التنظيم لاحقاً التقدم والسيطرة على بلدة مارع ذات الأهمية الإستراتيجية وال
معنوية لدى الجيش الحر كونها مسقط رأس القائد عبد القادر الصالح قائد لواء التوحيد سابقاً.

ولكن فصائل المعارضة المسلحة في حلب سارعت إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة في محاولة منها لصد هجوم التنظيم وإجباره على التراجع إلى خطوطه السابقة، ويبدو أن هذه الجهود لم تفلح حتى اللحظة في كبح جماح التنظيم الذي يضع مدينة إعزاز ومعبرها الحدودي الاستراتيجي نصب عينيه، بالرغم من أنها استطاعت وقف تقدم التنظيم مؤقتاً فضلاً عن استرجاع بعض القرى من تحت سيطرته.

في هذه الأثناء عمد التنظيم إلى إتباع سياسة جديدة في مواجهته مع فصائل المعارضة المسلحة، تمثلت هذه السياسة بقطع إمدادات النفط من خلال منع الشاحنات التي تنقل النفط الخام من مناطق سيطرته إلى المناطق التي تسيطر عليها تلك الفصائل، وإجبار هذه الشاحنات على العودة من حيث أتت حتى ولو لم تكن محملة بالنفط.

ويبدو أن نظام الأسد هو المستفيد الأول من السياسة الجديدة التي ينتهجها التنظيم، حيث انعكس شح المحروقات بصورة سلبية على الأعمال القتالية التي تخوضها المعارضة المسلحة ضد النظام في كل من حلب وإدلب وحماه، ناهيك عن تضاعف أسعار المواد الغذائية وتوقف مولدات الكهرباء البديلة عن العمل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات بصورة كبيرة وصلت لحد 500%، حيث وصل سعر لتر المازوت أو البنزين المكرر يدوياً إلى قرابة 500 ل.س في حين كان سعره لا يتجاوز 100 ل.س قبل بدء هذه الأزمة.

بادرت فصائل المعارضة من جهتها إلى الرد على هذا الحصار الذي يفرضه التنظيم من خلال منع عبور المواد الغذائية والتموينية إلى المناطق الخاضعة لسيطرته، ولكن يبدو أن هذا الأمر لم يؤثر بصورة كبيرة على التنظيم وفقاً لما أفاد به أحد تجار المواد التموينية لمراسل “الرقة تذبح بصمت” في مدينة الرقة.

يقول التاجر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “تمنع الفصائل المسلحة المتواجدة في ريف حلب الشمالي القوافل التجارية التي كانت تأتي من تركيا عبر بوابتي باب السلامة وباب الهوى الحدوديتين من العبور باتجاه الرقة، ولا تسمح إلا بعبور بعض الشاحنات مقابل رشى مالية تصل لغاية 100.000 ل.س للشاحنة الواحدة، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة نقل المواد الغذائية بصورة كبيرة الأمر الذي تسبب بدوره برفع أسعار هذه المواد بنسبة تصل إلى قرابة 15%.”

أضاف التاجر قائلاً: “بصورة عامة لم يكن تأثير هذا الحصار المعاكس كبيراً على أسواق الرقة لأن غالبية تجار المدينة لديهم مخزونات كبيرة من البضائع، حيث تعتبر الرقة حالياً المركز التجاري الأول الذي يغذي معظم المناطق التابعة للتنظيم في سوريا والعراق بالمواد الغذائية والتموينية، ولكن يخشى أن يعمد تجار العراق إلى سحب كميات كبيرة من الأسواق، الأمر الذي قد يتسبب خلال بضعة أشهر بنفاد هذا المخزون وارتفاع الأسعار بصورة أكبر، إلا إذا تم الاتفاق على عودة سير الشاحنات من البوابات الحدودية التي تديرها المعارضة إلى الرقة.”

حاولت بعض الأطراف المحلية والإقليمية التوسط لدى طرفي النزاع من أجل الوصول إلى حل لهذه الأزمة التي كانت لها انعكاسات خطيرة على السكان المحليين، حيث عرضت فصائل المعارضة السماح بمرور مادة الاسمنت والمواد الغذائية مقابل سماح التنظيم بعودة مرور النفط، ولكن التنظيم رفض الأمر لأنه لا يخشى من انقطاع هذه المواد في الوقت الراهن بسبب وجود البديل وهو خط نقل البضائع من المنطقة الجنوبية إلى الرقة، بالإضافة إلى الخط الثاني الذي ينطلق من الساحل عبر حمص إلى الرقة أيضاً.

ومن جهة أخرى، يبدو أن التنظيم لم يتأثر كثيراً بسبب توقف بيع النفط إلى مناطق المعارضة المسلحة، لأن هنالك مشترٍ آخر ألا وهو النظام الذي يقوم بالشراء من التنظيم من اجل سد احتياجاته المتزايدة من النفط في ظل تقلص الموارد النفطية التي كانت خاضعة لسيطرته، وهكذا يكفل التنظيم سد العجز النفطي الذي يعاني منه نظام الأسد من خلال تأمين إمدادات النفط عبر مجموعة من التجار الذين يلعبون دور الوسيط بين الطرفين.

وقد سبق وأن شهدنا مثل هذا “التعاون البناء” بين الطرفين إبان إبرام الاتفاق على إعادة تشغيل المحطة الحرارية في حلب، والذي جاء أيضاً على حساب حرمان ذات المنطقة من الكهرباء، دون أن يكترث كل منهما بمصير مئات الألوف من الشعب السوري الذين يعيشون في مناطق المعارضة، والذين يعانون مسبقاً من ويلات القصف والنزوح والحصار أخيراً.