النظام والتنظيم في مواجهة السوريين

مبكراً، بدأت طروحات الحل السياسي في سوريا.

فمنذ الأيام الأولى ما بعد 15 مارس (ىذار) طرحت لجان التنسيق المحلية، كما طرح معارضون، علامات للحل السياسي على شكل خطوط عامة لا تصل في شدتها إلى “اجتثاث” شخص، أو حزب، أو طائفة من مكونات الشعب السوري. لكن النظام كان “واثقاً” من شعبيته لدرجة أنه مضى في إثبات ذلك باجتثاث كل من لا ينضوي تحت شعبيته.

ليس الزمن هو الحد الفاصل في أحقية الثورة السورية وأخلاقيتها. على العكس، لاتزال الثورة السورية تثبت أخلاقيتها في كل يوم من السنوات الأربع. وها هي، الآن، بدأت في عامها الخامس.

عامل الزمن لا يدخل الثورة السورية في مقارنة مع أي ثورة تاريخية، أو معاصرة، فلكل ثورة معطياتها، ومكانها وزمانها. لكن أربع سنوات ثورة في سوريا لا يجعل الثائرين الأوائل، على الأقل، في حرج، رغم ما شاب الزمن المتطاول للثورة من حمولات طوفان خمسة عقود من الدكتاتورية. تأجلت الثورة كثيراً فتقيح الجرح السوري، ولابد للجسد من أن يأخذ وقته ليبرأ. قد يفتقد التشبيه الدقة، كون التضحيات والدم المراق في سوريا أكبر من أن يتم استيعابه ونحن لانزال وسط كل هذه الوحشية المقيمة التي خلفت 300 ألف قتيل/ شهيد، و12 مليون نازح ولاجئ.
لم تقنع الهيئات السياسية التي أفرزتها الموجات الثورية السوريين الواقعين تحت القصف، أو الهاربين منه. هنا يسقط عامل الزمن، فالذي يعاني يريد حلاً سريعاً لمأساته. والعودة حتى إلى شروط البؤس السابقة للثورة يرضي بعض السوريين. أما من تسعفه ظروفه المادية، فيستطيع أن يهرب بحياته ويصبر فترة أطول في انتظار أن تحط شروط الحل السياسي، أو العسكري، في سوريا.

قلب المشكلة الأساس في سوريا هو نظام بشار الأسد، ومن ثم داعش.

ثار الشعب على النظام، ولم يستجر بداعش، لكن السلاح والوحشية في يدي هذين الحليفين غير المعلنين سياسياً، والمعلنين عسكرياً، جعلا الشعب الطيب مغلوباً على أمره. منهم من يختار النظام دون تردد حين يُذكر داعش، ومنهم من يحتار في خيارين أحلاهما مر، ومنهم من لا يتردد في رفض كلا النظامين: نظام بشار ونظام داعش.

وجوه التعاون بين داعش والنظام تذكرنا بفضيحة “إيران غيت”، أو “إيران كونترا”، وهي الفضيحة التي اشترت فيها إيران أسلحة أمريكية عن طريق إسرائيل لمواجهة العراق في حرب الخليج الأولى.

داعش يبيع النفط لنظام بشار الأسد منذ منتصف 2013، وهو عدو معلن من قبل التنظيم مقرون بأوصاف طائفية تُكفِّره وتهدر دمه.

داعش، اليوم، يحمي قافلة تشحن آلاف الأطنان من القمح من آخر نقطة يسيطر عليها النظام في محافظة الحسكة إلى أول نقطة يسيطر عليها في طرطوس. وقالت صفحة حملة “الرقة تذبح بصمت” على موقع فيس بوك إن 185 قاطرة ومقطورة محملة بالقمح عبرت الأسبوع الماضي من الحسكة إلى طرطوس، مروراً بالمناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، مقابل حصول داعش على 25% من وزن كل شاحنة.

مثل هذا التحالف، والتقاء المصالح، بين عدوين، هما، منفردين ومجتمعين، عدوان للشعب السوري، ما الذي يثير التفاؤل في نفوس السوريين؟
الخيار واضح لدى سوريي الثورة: رفض الخضوع للنظام والتنظيم. وواضح لدى سوريي النظام: رفض الخضوع لداعش والاستجارة بالنظام.

لا لقاء حتى الآن بين الفئتين رغم الاتفاق على رفض داعش. ليبقى أن الجوهر الأساسي للخلاف، ورأس كل الشرور، هو النظام. أما داعش فعَرَضٌ حلَّ في جسد الثورة السورية.

والحل هو التخلص من الشرَّين الكبير والصغير، وإن طال الزمن على السوريين الذين مشوا حتى الآن نصف طريق ثورتهم وأكثر.

المصدر : 24.ae