التعفيش أسلوب يشترك به المجرمون – الجزء الثالث

الرقة تذبح بصمت



لطالما رفع تنظيم داعش الشعارات الدينية منذ بداية نشئته، بغية فرض حكمه باسم الإسلام على من هم تحت سلطته، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من البسطاء إلى الانضمام في صفوفه، إلا أنّ من الباحثين الإسلاميين يدركون تماماً أنّ تلك الشعارات ما كانت إلا للتسويق الإعلامي وتشكيل عامل جذب لا أكثر.

فمنذ بدايات تشكيل التنظيم والذي كان عاملاً في سوريا تحت مسمى “جبهة النصرة”، شرع من خلال شرعيه عمليات سرقة المال العام والخاص، بفتاوى شرعية، بحجة تمويل الجهاد أحياناً أو ردة أصحابها في أحيان أخرى، الأمر الذي استفادت منه بعض الكتائب، مقابل دفع جزء من السرقات لداعش، كما حدث من بيع القمح في ريف الرقة والذي أخذت النصرة حصتها منه.

ومع دخول داعش إلى الرقة، حاول وضع يده على مصادر التمويل كمحطات النفط وصوامع الحبوب والمطاحن ومرآب البلدية والمؤسسات الأخرى، مبتعداً عن القطاعات التي قد تشكل عبء مالياً عليه، كالمشافي والبلديات.

ومع تمكن التنظيم من السيطرة على المحافظة، بدأ عمليات السرقة المنظمة، والتي شملت مستويات عدة، من المال الخاص، والعام، حيث تمت مصادرة الأملاك الخاصة لمعارضي التنظيم وبيع محتويات منازلهم، والاستفادة من العقارات والأراضي الزراعية التابعة لهم بالإيجار أو إسكان عناصر داعش فيها، ليقوم التنظيم فيما بعد بمصادرة أملاك كلّ من هو خارج مناطق سيطرته، الأمر الذي أدى في بعض المواقف إلى مشاجرات بين عناصر التنظيم حول تلك الأملاك المصادرة، كما حدث بين مجموعتين من الأوزبك والشيشان في مدينة الطبقة، حيث نشب الخلاف الذي تطور إلى اقتتال بينهما حول الأحقية في الاستفادة من بعض العقارات المصادرة.

كما عمم التنظيم مصطلح الغنائم ليشمل كلّ ما تقع عليه يده خلال مرحلة تمدده سابقاً، فعمد إلى نهب القرى الكردية والمدن العراقية ونقل المسروقات وبيعها في أسواق مخصصة لذلك، ليشكل فيما بعد ما يسمى “مكتب الغنائم” والذي هدفه حل مشاكل توزيعها بين عناصره وأمرائه.

وعلى صعيد المال العام، فقد حاول داعش سرقة ما تيسر له من مؤسسات الدولة ومحتوياتها، بحجة دعم خزينة التنظيم، حيث عمل التنظيم مع قرب خروجه من أي منطقة على نقل ما يستطيع حمله من الممتلكات العامة “الأفران، المطاحن، محولات الكهرباء، قطع الغيار”، إلى أماكن أخرى أكثر أماناً بالنسبة له، وتلك التي يصعب نقلها فقد تم بيعها إلى تجار مرتبطين بالتنظيم، فقاموا بتفكيكها وبيعها إلى مناطق سيطرة النظام السوري، كبيع الحديد والنحاس والألمنيوم الموجودة في مستودعات شركات الكهرباء والمياه والهاتف في الرقة، عبر تاجر معروف باسم “أبو ردة”، والذي بدوره نقلها إلى محافظة حماه.

كما حاول التنظيم استثمار قسم من الجوانب الخدمية، كالصحة والمياه والكهرباء والهاتف والنظافة، وتحويلها من قطاعات مستهلكة يتم دعمها إلى قطاعات استثمارية عبر فرض الإتاوات وجبايتها من المدنيين مستغلاً قوته الأمنية عليهم، إضافة إلى فرضه الضرائب على حركة السيارات والبضائع والمحاصيل الزراعية.

ومن أحد أنواع السرقة التي مارسها التنظيم، هي كذبة العملة التي قام بسكها، متلاعباً بأسعار الذهب والصرافة في مناطق سيطرته، حيث كان يجني منها مئات الملايين شهرياً عبر تدويرها في الأسواق.

وبالرغم من عمليات القصف والتدمير التي شهدتها محافظة الرقة في العام الأخير، إلا أنّ عناصر داعش لم يتوانوا عن سرقة المحال التجارية ومحتويات المنازل، بعد فرض إخلائها بحجة قرب الاشتباكات حولها، ليتم بعدها لصق التهمة بعناصر مليشيا قسد.

فالعقلية اللصوصية في التنظيم، متجذرة في مبادئه الأساسية وأهدافه التي نشأ على تحقيقها، ليكون كالجراد ما حل بمنطقة حتى أفنى كل ما فيها.