الرقة تذبح بصمت
احتفل العالم في ال20 من شهر تشرين الثاني الجاري بيوم الطفل العالميّ، وجُعِل هذا اليوم المقرّر من قِبل الأمم المتّحدة عامّ 1954 وذلك بهدف تعزيز الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاهيتهم والأخذ بهم للإيمان بأفكارهم وبناء مستقبلهم والمطالبة بحقوقهم في حقّ العيش والتعليم وغيرها من الحقوق التي هي بمثابة حلم لكثير من الأطفال.
يمضي هذا الاحتفال على أطفال سوريا عامّة بدمويّة كلّ عامّ، فكم تُغتال من أرواح في يوم الطفولة، ليس الأرواح فحسب بل اغتيال مستقبلهم الذي يبدو مجهولاً خاصّة في بلدهم، فها هي محافظة الرقّة كغيرها من المحافظات السوريّة التي يواجه الأطفال فيها مستقبلاً مجهولاً، فأطفال الرقّة يتمرجحون بين شقاء العمالة، والعدول عن مقاعد الدراسة التي صار من الصعب إعادتهم إليها كما في السابق، وذلك بعد أن وجدوا في العمالة ما يُوفّر قوت يومهم، وحملِ أعباء المعيشة مع ذويهم، ومنهم هو اليوم بلا أبٍ أو أمّ فيحتمِل الشقاء وبؤس حياته وحيداً، فظاهرة العمالة هذه بدأت بعد خروج الرقّة من شعواء الحرب التي قادها التحالف الدوليّ ضدّ تنظيم داعش، ليجدوا أنفسهم في مواجهة حرب أُخرى ألَا وهي البحث عن لقمة العيش وتأمينها، يخرجُ الأطفال بصحبة عوائلهم مع بزوغ شمس الصباح من تحت أنقاضِ بيوتهم المتهدّمة في تحدٍّ لشقاء اليوم الذي تتوزّع مهامه إمّا في البحث بين النفايات والقمامة، أو امتهانِ ظاهرة التعفيش والتي باتت مهنة الكثيرين في ظلّ انتشار الفقر والعوز الذي لحق بأهالي الرقّة.
إذ تفتقد ظاهرة التعفيش للأخلاق والمبادئ فهي تعتمد على استخراج الحديد “الخردة” من المنازل وتفريغها من محتوياتها من أثاثٍ، وغيره ويتمّ بيعه في سوق المستعمل، كما وتفتقد للسلامة وذلك بسبب وجود الألغام التي خلّفها داعش بعد انسحابه من الرقّة والتي أزهقت أرواح الكثيرين، لينقضي هذا اليوم بتحصيل المال الذي لايتوافق والمستوى المعيشيّ، ولكن بضع آلاف من اللّيرات مبلغٌ لا بأس به بأيدي الأطفال وهو سبب جدير وكفيل بإبعادهم عن مقاعد الدراسة والعزوف عنها فهم يرون مستقبلهم بشكلٍ استباقيّ سينعكس أثره لاحقاً، خاصّة وأنّ أعداد الطلاّب الذين أصبحوا على لائحة الأميّة في تزايد وبشكل متسارع خاصّة خلال السنوات الخمس الماضية منذ سيطرة تنظيم داعش على الرقّة، والذي كان يسيّر كثير من الأطفال وفق رؤى منهجيّة اعتمدها في سعيٍ منه لإنشاء أشبال الخلافة المتمثّلين بأطفال الرقّة، لتخلفه ميليشيا “قسد” التي ترى في الأطفال أيضاً درباً لايختلف عن درب داعش إلّا في الفكر الذي أصبح جاهلاً موجَّهاً عند كثير من الأطفال الذين يرزحون تحت حكم المنظّمة القسديّة والذي يبشّر بزوالها كونها لاترى أبعد من حاضرها اليوم.
فمظاهر العبثيّة المقصودة التي لحقت بمحافظة الرقّة والوضع المعيشيّ الذي آلَت إليه حالها هي عبثيّة مُطلقة بمستقبل أجيالٍ من الأطفال لا يطالون حقّ التعليم ولا حقّ الرعاية الصحيّة ليست تلك فحسب بل الكثير من الحقوق يجهلونها أصلاً، كلّ ذلك أجبر بعض الأهالي ممّا يرون أنّ مستقبل أطفالهم على التحرّك بعد مُناشدة عدد من المنظّمات المجتمعيّة للنهوض بسير عمليّة التعليم، إذ يرون أنّ مستقبل الرقّة وإعادة إعمارها ينطلق من تعليم أولادهم الذين هم أمل بلادهم وذويهم بالنهوض بواقعهم المعيشيّ المتردّي، فرغم ضيق الحال فضَّل كثير من أهالي الأطفال على إكمال أطفالهم لتحصيلهم العمليّ عِوضاً عن تحصيل المال الذي أصبح دُوْلَةً بين يدي الأطفال بدلَ قلمٍ يرسمون به أحلامهم المسروقة التي سُرِقت وخيرات البلد على يد الميليشيات العابرة.