أحداث لم تروَ عن مذبحة الشعيطات

“نعم أملك السلاح، لكن انتظروا حتى طلوع الفجر سأدلكم على مكانه”، بهذه الحجة نجا قذافي الحسين، من مجزرة الشعيطات التي راح ضحيتها 800 شخص من العشيرة في ريف ديرالزور، ممن قتلوا على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. وتصادف هذه الأيام مرور الذكرى الخامسة للمجزرة في آب/أغسطس 2014.

قذافي الحسين..محظوظ


اعتُقِلَ قذافي الحسين، مع قريبه عبدالمجيد عماش القادم من السعودية لزيارة أهله، وابن أخيه بشير عبدالسلام، من بلدة أبو حمام بريف ديرالزور. واقتادهم التنظيم إلى البادية بإشراف عناصر “كتيبة البتار” الليبية، فعصبوا عيون الحسين وقريبيه، ووقفوا خلفهم واضعين بنادقهم على رؤوسهم وهم جاثين. وجه قائد الكتيبة السؤال لعبدالمجيد: “هل تملك سلاحاً أو ذهباً؟” أجاب “لا أملك شيئاً لدي في البيت فقط بندقية أحتفظ بها منذ 2010″، فأطلقوا النار عليه، وكذلك قتلوا بشير. وعندما سألوا قذافي عن سلاحه أجاب: “نعم أملكه، لكن الآن الشمس شارفت على المغيب ولا أستطيع أن أدلكم على مكانه ليلاً، لننتظر إلى الغد وسوف اخذكم إلى مكان السلاح”.

اقتاد عناصر التنظيم قذافي، إلى الطابق الثاني من بناء، وتركوه مكبلاً في مطبخ، وغادروا على أن يعودوا في اليوم التالي. يقول قذافي: “عثرت على سكين في المطبخ، أمسكت به، وفكرت أن اقطع يدي للتخلص من القيد، لكن بعد أن رأيت دمي يسيل، عدلت عن الفكرة”. وبالنظر حوله، وجد قذافي نافذة صغيرة في الأعلى، فراكم أواني المطبخ ليتمكن من الوصول لها. كسر الزجاج برأسه، وقفز من النافذة. يقول: “لحسن الحظ كان هناك رمل في أسفل البناء ألقيت بنفسي، ولم أتأذَّ كثيراً”.

وتابع: “جريت بعيداً، كنت أشعر بعطش شديد، اقتربت من بيت مهجور، ووجدت بداخله ماء فشربت وتابعت مسيري باتجاه قرية البحرة، وأنا مكبل. وصلت إلى خيمة قام أهلها بمساعدتي وفكوا قيودي، بعدها اتفقت مع شخص واستطاع تهريبي إلى ريف حلب الشمالي، حيث مناطق سيطرة الجيش الحر”.

قذافي، هو أحد الناجين القلائل من مجزرة الشعيطات، التي وقعت بين 8 و26 آب 2014، بعدما دخل أبناء العشيرة في معركة مع التنظيم انتهت بسيطرته على بلدات غرانيج وكشكية وأبو حمام، التي يقطنها أفراد العشيرة. وعندما أطبق التنظيم سيطرته على تلك القرى، فرّ أبناء القبيلة إلى القرى المجاورة، فبدأ التنظيم إقامة الحواجز ومداهمة المنازل بحثاً عنهم. 

حينها، حكم قاضي “الدولة الاسلامية” الملقب بـ”أبو عبدالله الكويتي” بحكم “بني قريظة” على أبناء عشيرة الشعيطات، أي أن تسلب أموالهم ويقتل رجالهم وتسبى نساؤهم. وساطات عشائرية من البلدات المجاورة، دفعت التنظيم لتجاوز حكم سبي النساء، والتركيز على قتل الرجال وسلب الأموال.

وثّق ناشطون من أبناء الشعيطات مقتل 800 شخص تقريباً على يد “داعش”، بينهم أطفال ونساء ورجال وشيوخ.

وقد توقفت ملاحقة الشعيطات في عيد الأضحى 2014، بعدما أصدر البغدادي “عفواً عاماً” شمل من “تاب”. وبعد مدة قصيرة، قتل التنظيم قاضيه “أبو عبدالله الكويتي”، صاحب حكم “الردة بشوكة” على الشعيطات. التنظيم اتهم الكويتي بالعمالة لإيران.

قصص قصص.. لا تنتهي


جولة صغيرة على منازل أبناء قبيلة الشعيطات الذين عادوا بعد طرد “داعش” من مناطقهم، تكفي لكتابة مجلدات عن الظلم والمقاومة غير المجدية التي خاضها ابناء العشيرة بمعزل عن أي دعم محلي أو اقليمي أو دولي.

قصص عن أبرياء لم يظهروا أي مقاومة للتنظيم الاجرامي، مثل بسام خليل العسكر، المدرّسُ خريج كلية الشريعة. العسكر من أبناء بلدة غرانيج، نزح مع عائلته إلى مدينة هجين بعدما اجتاح التنظيم بلدته، لكن دورية لـ”كتيبة البتار” الليبية مكونة من خمس سيارت طوقت المدرسة التي يقطن فيها، واعتقلته مع شقيقيه أحمد وإبراهيم، ونقلتهم إلى بادية هجين، حيث أعدمتهم على الفور.

أسود الحداوي، رجل سبعيني عاد إلى منزله في بلدة غرانيج خفية ليأخذ بعض المستلزمات، لكن اعضاء “البتار” شاهدوه من نقطة تمركزهم في مضخة مياه الهميال، وأرسلوا سيارة لاعتقاله. بالتحقيق معه، أخبرهم الحداوي أنه من غرانيج، ويريد أخذ بعض الحاجيات وسيعود إلى خيمته. فرد أحد العناصر: “أنت شعيطي مرتد”، وأطلق النار عليه ليرديه قتيلاً. وقد روى تلك الحداثة عبدالفرج الطايع، الذي كان حينها مختبئاً قرب ساقية الماء.

ظن أن المسجد يعصمه منهم..


حمود أحمد الغناش، 25 عاماً، كان مؤذناً في مسجد معدان ببلدة غرانيج. ورغم تهجير أبناء العشيرة إلى القرى المجاورة إلا أنه بقي في المسجد لرفع الآذان، معتقداً أن ذلك يعصمه عن اجرام التنظيم. ترافق رفع الغناش للأذان في احدى المرات، مع مرور دورية من عناصر التنظيم، فدخلوا المسجد ليجدوه يصلي وحيداً، فأخرجوه وقتلوه.

هل من تعويض مادي أو معنوي؟


منيت بلدات الشعيطات وقراهم بخسائر مادية، بعد التهجير القسري الذي فرضه التنظيم عليهم، واستمر 8 شهور، وسلبت منهم المواشي والأموال والسيارات، وبيوت السكان ومحتوياتها، كما دمر التنظيم مئات المنازل التي تعود ملكيتها لمقاتلين في صفوف الجيش الحر واستملك أكثر من 4 آلاف منزل.

بعد دحر التنظيم من المنطقة، وهي العملية التي شارك بها من تبقى من مقاتلي الشعيطات بكثافة، عادت البلدات لتلملم جراحها وحيدة. لا تعويض مادياً أو رمزياً عما لحق بالعشيرة من أذى لمقاومتها تمدد التنظيم المتشدد. وتبدو القبيلة اليوم وحيدة في محاولة إعادة اعمار ما تخرب، كما كانت وحيدة في مواجهة داعش قبل 5 سنوات. والسؤال الذي يطرح نفسه: لو عاد التنظيم مرة أخرى كما يتنبأ بعض الخبراء، هل ستقاومه قبيلة الشعيطات أو غيرها، على ضوء ما عوملت به من قوى الأمر الواقع التي خلفت “داعش”؟.

المصدر : المدن