الرقّة بين الفاقة والسرقة

ليس أسوأ من الوضع السياسيّ والأمنيّ للرقّة سوى الوضع الاقتصاديّ الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، كلّ ذلك نتيجة السياسة التي تفرضها ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من خلال القيود التي تفرضها، والتي باتت تُثقِل أحوال الأهالي، لتضيق أكثر وأكثر، فمنهم من تراه مُُستعفف همّه كسب ماء وجهه أكثر من كسب قوت يومه، فتراه راضيّاً بما قسمه رزق يومه، خاصّةً وأنّ لديه عملٌ أو تجارةً تدرء عنه الفقر الذي بات يتقلّب فيه الأهالي، وأمّا أن ترى من وصل لقمّة الفاقة والعوز ،ليسلك طريق السرقة والتي باتت تُعرف باسم “التعفيش”،وهي ظاهرة تفتقر إلى القيم والمبادئ الأخلاقيّة، ولأنّ الجوع في زمن الحرب جرّم قطع اليد الممتدّة إلى أملاك الناس، ومتاعهم خوّل لكثيرٍ ممّن يقطنون مدينة الرقّة إلى السرقة التي باتت طريقًا أسهل لتحصيل لقمة العيش، فقد أصبحت ترى عوائل بأكملها تعمل في هذه الظاهرة، والتي لم تنتشر على مدى حرب السنوات السبع في سوريا عامّة والرقّة على وجه التحديد إلّا مع دخول قوّات سوريا الديمقراطيّة المدعومة من قَبل التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والتي حوّلت مدينة الرقّة أثرًا بعد عين، ممّا فسح المجال لتوسيع ظاهرة “التعفيش” عامّةً والسرقة “لغةً” فالسرقة ليس فقط سرقة ما تبقّى من محتويات المنازل والمحال المُدمّرة، وإفراغها من أثاثها، والتي أصبحت حالًا دارجة ومتطوّرة، إذ يقوم بضع من الرجال والنسوة بدخول البيت بحجّة أنّهم
مُرسلين من قِبل صاحب البيت ليقوموا بإصلاحه- وذلك تمويهًا أمام الجيران- ويعملون على تفريغ البيت من بقايا محتوياته ونزع ما يمكن أن يُستَفاد منه من حديد خردة،وحجر بناء، وبيعه في السوق السوداء، أو لمن يقوم بأعمال ترميم وبناء وبأسعارٍ زهيدة.
وتُعتبر ظاهرة “التعفيش” ظاهرة خطيرة ومن الممكن أن تودي بأرواح من يعمل بها، وذلك بسبب وجود الألغام التي لم يتمّ انتزاعها بشكلٍ كامل، أو وجود القنابل الملقاة ولم تنفجر بعد، وفي حال سؤالك للأشخاص الذين يعملون بها يكون ردّهم”بأنّهم إن لم يعملوا اليوم فلا طعام لهم”
ومنهم يردّ”بأنّ الجوع كافر”
فيما يكون جواب آخرين”بأنّ المال الداشر يعلّم ع الحرام”
وغيرها من العبارات التي تبيح السرقة بشكل عصريّ، فتجد منافسةً ليس بين صغار السرقة وحسب، فهم ينتشلون ما يتوافرُ لهم على مرأى العين، بل منافسةً مع ميليشيا “قسد” وسلطة الأمر الواقع، ومن يدعمها مم قِوى استعماريّة، فهي تسرق ما خفي في باطن الأرض من ثروات نفطيّة، وما يعلو فوقها من منتجات زراعيّة وثروات حيوانيّة، وذلك قبل مغادرتهم البلاد كما مضى من هم قبلهم.