الرّقة: يوم في حياة طبيب

حصري – الرقة تذبح بصمت

إن قلت لا احب رؤية الدماء أو لا استطيع النظر اليها سينتقدني الكثير وأنا اولهم فأنا طبيب اعتدت منذ سنين الدراسة الاولى على رؤيتها والتعامل مع الجثث والجراح وشتى انواع العمليات لاحقا بُعيد ان مارست مهنتي وبدأتُ عملي كطبيب .

اخترت هذا المدخل خصيصا كي ادلل به على شيء وقد يسأل الكثير ما هذا الشيء وما الرابط , فأنا الطبيب ( أ – ر ) من مدينة الرقة التي صارت رمز لجماعة وكل ما ذكر اسمها ,لم يعد يقترن بهارون الرشيد او بدرة الفرات أو بالفرات نفسه صار اسمها يرتبط بتنظيم لم يعد خافيا على احد أيدولوجيته ونهجه ومسيره .

تربط بين الدماء والطبيب علاقة وثيقة , شيء يعد اقل من عادي أن يعتادها طبيب , ولكن ليست كل الجراح والدماء تشبه بعضها, نعم تختلف حين تكون في غرفة عمليات وبين يديك مريض نزف الكثير من الدماء ويأتيك كيس دم بعد انتظار وبعد أن تكون قد بُت تفقد الامل بنجاة مريضك وبدأت الخيبة تتخلل اوصالك خوفا من ان تفقد روحاً بين يديك حينها لا تتخيل سعادتك برؤيتك لهذا الكيس او اكثر من الدم , تراه روحا جديدة ارسلها لك الخالق كي تبثها هذا الانسان الي يتمدد امامك وامله الوحيد انت وكيس دماء . هذه واحدة, ومثيلاتها كثر استطيع أن اسهب قدر ما اشاء وأنا اصف لكم فرحتي برؤية الدماء . ولكن هل استطيع ان ارى دماء اخرى , واقصد بأخرى هنا لمن لا يعرف عملية ( قصاص ) وقصاص هذه لا استطيع ترجمتها لأي لغة بشرية لأني لا افهمها تعلمت كإنسان وكطبيب أن الجرح يحتاج لعلاج والدم يحتاج لإيقافه لا لنزفه والعضو المريض من الجسد يحتاج لعناية ولدواء واحيانا لعمل جراحي.

لكن أن ارى وعلى الملأ اناس يقطعون رأس انسان ما وبتهمة لا يعلمها حتى اكثر هؤلاء المنفذين وبمحاكمة لم يحضرها سوى الجلاد وباعترافات لم يسمعها الا شخص يدعى بالشرعي وقد لا يكون يفقه من دينه او دنياه شيء , هذه الدماء بالذات لا استطيع رؤيتها ولا اقدر ان اسامح بها او اغفر لها إن سكبت , هذه الدماء مختلفة هي دماء بطعم القهر والوجع المدفون تحت انسانية سرقها بعض المدعين , انسانية اتهم العالم اجمع بأنه فقدها, انسانية حولت الوحوش في الغابات الى حيوانات وادعة وديعة . الجراح ايضا تختلف فحين ترى رجلين يمسكان بطفل في مسميات العالم لا يتجاوز عمره الثامنة عشر ويضعون يده على طاولة لاقتصاصها وهو ينظر بعيون لا ترى فيها الخوف ولا ترى فيها الحياة تراها عينان من حجر فقدت املها بنور لم يسطع ولن يسطع بمعجزة قد تأتي لتخلصه . هيهات يا صديقي الطفل هيهات , يا رجل قد كبر قبل الاوان , زمن المعجزات قد ولى وزمن الموت هوا القادم . يكممون فمه ويغطون عينيه , يسحب ثالث مقابل الطاولة يده الصغيرة البريئة بيضاء بلون النقاء ومصفرة خجلاً من نفسها لأنها إن سُئلت باي ذنب قطعت لن يكون هناك جواب , ويقف رابع مهللاً ويبترها . اغمض عيني غصبً وأنا الطبيب الذي اعتاد رؤية الجراح واعتاد الدماء ولكن هذه الدماء لا استطيع تحملها , لها وقع ثقيل على عقلي , صدقوني لا استطيع انها تعتصر قلبي تجفف الدماء في عروقي وتجعلني مجرد شيء لا عنوان له ولا روح .

نأخذ الطفل الى المشفى نقوم بما يلزم لتخفيف المه وموت امله , امل مات على الملأ وكلنا صامتون وارجوكم لا يقولن قائل لم تصمتون فلن تفهم ولن تعرف الا ان كنت هنا ..وانا هنا وسأبقى هنا ولن اخذل . الناس هنا واهرب !, كلا اقسمت قسمي الخاص بيني وبيني أن لا اكون سوى هنا هذه ارضي وناسها اهلي وترابها مأواي ولن اغادرها فلن استسلم لهم ولا لعالم فقد كل ما يملك من ضمير . صدقوني لا زلت افرح الى اليوم بكيس دماء يدخل علي غرفة العمليات ينقذ شخص ما قد يكون اي احد ولكن في النهاية هو انسان ومهنتي قدر ما استطيع ( انقاذ الانسان ).

Founder of Raqqa is being slaughtered silently, journalist featured in film "City of Ghosts".
التعليقات مقفلة.