الرقة والتاريخ

الرقة تذبح بصمت

كغيرها من الحضارات التي ازدهرت على ضفاف الأنهار، نشأت الرقّة على جوانب نهر الفرات، وبأقدم اسم عُرِفت به وثّقته المعطيات التاريخيّة “توتول” إذ كانت حاضرةً في الألفين الثاني والثالث قبل الميلاد.
لتتوالى بعدها حقبٌ وحضارات لمع فيها اسم الرقّة المُستوحى من مجسّمات “الرقاق” والتي تتشكّل عقب انحسار فيضان نهر الفرات ربيع كلّ عامّ، ويعود ذلك إلى طبيعة الرقّة الغضاريّة.

كلُّ ما تقدّم من توالي الحضارات على الرقّة أفضت إلى امتلاكها معالمَ أثريّة شاهدة على أنّ دورة الحياة لا تزال تمرّ من هنا، ولم يشفع لتلك المعالم أصالتها الطاعنة في التاريخ بأن تكون بمنأى عن طريق الحرب المرسومة التي تعصف بسوريا عموماَ والرقّة على وجه الخصوص، فبعد خروج الرقّة من قبضة النظام الأسدي أضحت طائراته تدكّها بشكل عشوائيّ في حملةٍ انتقاميّة طالت البشر والحجر ليأتي بعده تنظيم “داعش” ويُكمِل على تلك المعالم بسرقتها وبيعها خارج البلاد، وبذلك يُمنى تاريخ الرقّة بخسارة هي واحدة من الخسائر التي تفقد فيها الرقّة إرثاً من تاريخها التليد، ولتكون الرقّة حاضرةً دائماً في ذاكرة أبنائها أو حتّى من مرّ بها سواء كان سائحاً أو غازياً ، نذكر عدداً من الأوابد الأثريّة البارزة في الرقّة على امتداد الحقب الزمنيّة من العصر الآشوريّ وحتّى الفتح الإسلاميّ المُتمثّل بالعهد العباسيّ، إذ عُرفت الرقّة آنذاك باسم ” الرافقة” ومن أبرز الصروح التي تتميّز بها الرقّة :

سور الرافقة: او ما يُعرَف اليوم بسور الرقّة


والمُتشكِّل من لَبِنَات الآجر، ويبلغ طوله 5كم ويحيط بمساحة5.1 مليون متر مربّع، مُدعّم بالأبراج على امتداده التي أُعيد أنشاؤها عامّ 1975 من قِبَل مديرية الآثار والمتاحف في الرقّة، وتبلغ سماكة السور الداخلي 8.5 وهناك بابان للسور من الزاوية الجنوبيّة الغربيّة وهو “باب الجنان” وباب من الزاوية الجنوبيّة الشرقيّة وهو “باب بغداد” والذي يُعَدُّ صرحاً ماثلاً حتّى الآن.


جامع المنصور

أو ما يُعرف بالجامع ” العتيق” حسب التسمية المحليّة لأهل الرقّة، حيث اعتُمِد في نظام الرافقة الدائريّ ، والمُعتَمد لمدينة ” بغداد” وحُدّد الجامع والقصر وسط تلك الدائرة ، ويتألف الجامع من صحن وحرم، وهو مستطيل الشكل ، ويبلغ عرضه 92 متر ، وطوله 108 متر.


قصر البنات

ويقع جنوب شرقيّ الرافقة، وضمن سورها، ويعود إلى عهد الدولة الأيوبيّة، وبذلك بحسب خزفيّات عُثِرَ عليها فيه، أي إلى القرن الثاني عشر الميلادي.


قصر هرقلة

شيّده هارون الرشيد تخليداً لذكرى الانتصار على الروم خلال الفتوحات الإسلاميّة ، ويقع على بُعد 6 كم غرب مدينة الرقّة، ويتفرّد هذا القصر بغرابة تصميمه.


قلعة جعبر

وتقع على الضفّة اليُسرى لنهر الفرات ، على بُعد 50 كم غربي مدينة الرقّة ، وتُطلّ على هضبة مطلّة على بحيرة الثورة الواقعة خلف سدّ الفرات.


الرصافة

وتبعد عن الرقّة حوالي 30 كم إلى الجنوب، ولها امتداد عريق من عهد الدولة الآشوريّة واليونانيّة فالفارسيّة.
وأضحت الرصافة في عهد الأمويين منتجعاً صيفيّاً ، فانتقل إليها الأمير هشام بن عبد الملك من قصر “الحِير”وكانت له يدٌ في عمرانها وازدهارها حتّى باتت تُعرف برصافة “هشام”

أعوامٌ ثمانيّة انتُهِكت فيها حُرمة الآثار في الرقّة نتيجة تطاول أيدي أطراف النزاع عليها أحالَ الرقّة من جديد إلى طلَلٍ لا يدلّ على حضارات انصرمت بل تحوّل إلى كومة حجر تشير إلى يدٍ عبثيّة تحاول طمس معالمها ، مُنكِرةً رسوخ التجذّر العربيّ في هذه المنطقة ، وبمباركةٍ من دول الغرب بتوطين أعراقٍ وقوميّات لم تكن يوماً سوى محتَمٍ في كنف الرقّة وأهلها، وما الرقّة إلّا درّة تزداد رِقّةً وألقاً في كلّ ربيع يغسِل فيها نهر الفرات وجهها الطاهر.