المرأة السوريّة في زمن اللّؤم


لطالما نسمع في قصص الشعوب قصّة بائعة الورد، و بائعة الكبريت على اعتقاد أنّها حكايا مشوّقَة تارةً، ومُتعاطَفٌ معها تارةً أُخرى، لكن ومع اندلاع الحرب في سوريا أصبحنا نرى أولئك البائعات في الأزقة والشوارع يبحثنَ عن قوتِ يومهنّ، وإعالة أُسرِهنّ وأطفالهنّ، يدرءنَ عن أنفسهنّ مدّ أيدهنّ يطلبنَ حسنة الطريق ويحفظن ما أبقَت عليه سنيّ الحرب من ماء وجوههنّ.
أُمّ خالد امرأة في الستين العمر، نازحة من مدينة دير الزور، وتقطنُ الآن في مدينة الرقّة، اتّخذت بعد هذه السنين من بيع الذرة والحلوى مهنةً تطرد عن وجهها الفقر والعوز الذي قضّ مضاجع السوريين بعد أن أتت رحى الحرب على كلّ ما علق بين حجَريها.

وكانت أُمّ خالد قد فقدت زوجها بإحدى الغارات الجويّة على مدينة دير الزور تاركاً لها بنتاً وشاباً وهو الذي اضطرّها لمغادرة دير الزور بعد ملاحقة النظام له من أجل سوقه إلى الخدمة الإلزاميّة، ممّا ألزمها أن تحمل مسؤوليّة عائلتها لتجوب بعربتها الصغيرة شوارع مدينة الرقّة تقصد أبواب الرزق ولعلّ باب المدرسة هو المقصد الأوّل والأهم بالنسبة لأمّ خالد كون الأطفال يتهافتون على شراء الذرة والحلوى قاصدةً بذلك الكسب الحلال.


أمّ خالد ليست الوحيدة بل واحدة من آلاف النساء السوريّات سواء في سوريا أو بلدان الجوار ممّن اخترن صعوبة المهنة على الانجرار وراء العصابات التي تنادي بالديمقراطيّة وحقوق المرأة التي لم تنلْ منهم المرأة في ظلّ حكمهم غير الإهانة، والدعوة إلى مؤتمرات واحتفالات ليست تهدف إلى شيء سِوى إلى تحرّر المرأة من شرقيتها، وأخلاقها، ومن أنوثتها، بعد الزجّ بهنّ في حروبهم القوميّة، فقد سلبوا المرأة من بيتها، وهي الأُمّ وربّة المنزل، سلبوا المرأة من صفّها وهي الطالبة والمعلّمة، سلبوا المرأة من عملها المنزلي وهي التي تخيط الثياب وتحيك الصوف، سلبوا المرأة من كرامتها وقد أبدلوها قهراً، ولا ينطبق هذا الكلام على ميليشيا “قسد” التي تدّعي المناداة بحقوق المرأة، بل على النظام السوريّ الذي لا يختلف عن” قسد” وكذلك تنظيم ” داعش” الذي أهانها بحججٍ واهية، وألبسها رداء الخوف بحجّة المحافظة عليها.
ومع كلّ ذلك تجد هناك من يكذب إمّا عن جهلٍ أو عن حقد، وكأنّ إهانة الزمن لامرأة مثل أُمّ خالد أمرٌ مُسَلَّم لا يجب أن نثورَ عليه ونحارب كلّ من أوصلَ المرأة السوريّة لِما هي عليه، فتكون بطلة مجسَّدة واقعاً بدلاً من بطلات الحكايا التي كانت تقصّها يوماً على مسامع الأطفال لتعايش ذلك الألم حقيقةً بكلّ تفاصيله.