من داخل “عاصمة” الدولة الإسلامية: لا نهاية منظورة لحكم “داعش” القاتم

أبو إبراهيم الرقاوي – (الأوبزرفر)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

dyhj

21/2/2015
عندما استولى “داعش” على الرقة، اجتاحت المدينة موجة من السواد. فقد رُفعت رايات المجموعة السوداء حيث يسكن أفرادها ويعملون، وطُلب من النساء تكفين أنفسهن بالسواد، وكثرت لطخات الطلاء الأسود على المباني وفي الأماكن العامة.
مع ذلك، وعندما بدأت الضربات الجوية، حذر الناشطون العائلات من مغبة نشر الملابس الداكنة خارج أو على أسطح منازلهم، حتى لا يتم الخلط بينها وبين أعلام “داعش”. وربما شعر “داعش” نفسه بالقلق أيضاً، فشرع في إعادة طلاء كل شيء. وتم تزيين إحدى الساحات المركزية، حيث كان يتم تنفيذ عمليات الصلب وأشكال العقاب البشعة الأخرى على الملأ، بألوان زاهية –بالوردي والأخضر والأبيض. وطلي ميدان آخر بالذهبي.
على ما يبدو، دفعت ضغوط الدعاية والعمل الدنيوي المكلف الذي يشكله حكم مدينة حتى “داعش” نفسه إلى تقديم بعض التنازلات.
في الصيف الماضي، كانت جرائم مثل التدخين أو عدم إغلاق حانوت خلال وقت الصلاة تجلب على المخالفين عقاباً يتكون من بضع عشرات من الجلدات، لكن بعض أفراد الشرطة الدينية شرعوا في قبول الغرامات المالية بدلاً عن العقاب الجسدي من أولئك الذين يستطيعون الدفع. وهناك تقارير تتحدث عن أنهم شرعوا في إجبار التجار على إبقاء محالهم مفتوحة أثناء وقت الصلاة، حتى يستطيعوا جمع المزيد من النقود منهم –حول 1.500 ليرة سورية (حوالي 5 جنيهات إسترلينية) في كل مرة.
ليست النقود فقط هي التي أصبح “داعش” في عوز لها. لقد أصبح التنظيم يفتقر إلى الدم للمقاتلين الجرحى الذين يُصابون في الضربات الجوية أو على الجبهة الأمامية. ولا يرغب الناس في التبرع، ولذلك يجبرونهم على ذلك. ويُطلب من أي شخص تكون له معاملة في المحكمة الإسلامية أن يذهب أولاً إلى مستشفى معين، وأن يتبرع بنصف لتر من الدم، ثم يعود مع الإيصال. وعندئذ فقط يمكن المضي قدماً بالقضية المعنية.
ولا تستطيع أن تدفع لتتخلص من ذلك التبرع، حتى لو كانت لديك نقود، وهي ما لا يمتلكه الكثيرون في حقيقة الأمر. وقد أغلق “داعش” الكثير من الشركات، بما في ذلك الشركات القانونية على سبيل المثال. ولا يريد “داعش” أن يؤمن بالأنظمة القانونية القديمة، زاعماً أنه يريد إحلال قانون الله محل قانون البشر.
لا يريد “داعش” للناس أن يعملوا، وإنما يريدهم أن يعانوا فقط حتى ينضم الرجال إلى المجموعة، وحتى تتزوج النساء من مقاتلي “داعش”. ويبدو رجال “داعش” هؤلاء مهووسين بالجنس. وهم يقومون دائماً بمصادرة حبوب الفياغرا من الصيدليات، والتي يعتقد الناس بأنهم يستخدمونها لأنفسهم. ويتخذ الكثيرون منهم عدة زوجات، ويظلون يبحثون عن الأسيرات لكي يتخذوهن محظيات، مثلما حدث مع النساء الأيزيديات.
أصبحت المدينة سجناً للنساء تحت سن 45 عاماً. ويقول النظام أنه لا يمكنهن المغادرة لأنهن ربما يتعرضن للاغتصاب في أماكن يسيطر عليها “داعش” أو إحدى مجموعات الثوار الأخرى، لكن معظم الناس في داخل الرقة يعتقدون أن ذلك المنع يأتي لأن التنظيم في حاجة يائسة إلى المزيد من الزوجات للمقاتلين.
في هذا السياق، نشرت كتائب الإناث في “داعش” إشعاراً يقول أن أي امرأة ترغب الزواج من أحد مقاتلي التنظيم يجب أن ترتدي حجاباً أبيض فوق حجابها الأسود، وسوف يتم الاتصال بها. ولا تحب النساء هؤلاء المقاتلين حقاً، ولا يردن الزواج منهم، لكن بعض العائلات تعاني مشكلات اقتصادية.
لكنه عندما تتزوج النساء منهم فعلاً، فإنهن يعانين مشكلات أخرى -حتى أن البعض منهن لا يعرفن الهوية الحقيقية لأزواجهن، وإنما يعرفن الاسم الحركي فقط؛ وقد قتل زوج إحدى النساء في المعركة، لكن كل ما تعرفه هو أنه جاء من تونس. وليست لديها أي طريقة للاتصال بعائلته، أو حتى معرفة مكان وجودها.
حظرت “داعش” على الذكور المولودين بعد سنة 1992 مغادرة المدينة إلى مناطق النظام الأخرى لتقديم الامتحانات، أو لقبض الرواتب أو أي شيء آخر. ويعني ذلك أنه لم يعد بوسع أحد أن يغادر بعد الآن، إذ من هو الذي سيريد الهرب إلى تركيا من دون زوجته أو بناته وأبنائه؟
وأيضاً، لا يريد الناس المغادرة لأنه بمجرد أن يذهب أحدهم، فإن “داعش” يقوم بمصادرة منزله. وقد صادر التنظيم الكثير من منازل المسيحيين، وأعضاء الجيش السوري الحر، وأي نشطاء تمكن من القبض عليهم.
قبل أن يتولى “داعش” السيطرة، كان عدد سكان الرقة نحو مليون نسمة؛ والآن أصبح العدد حول 400.000. لكن الناس يقولون: “إلى أين أذهب؟ ماذا سأفعل؟ ليس لدي مال لأعيش في تركيا. كما أنهم سيأخذون بيتي”. ولذلك يبقون هنا فقط، منتظرين غداً مجهولاً.
لأنهم بلا عمل، فإنهم يظلون معظم الأحيان في المنزل، يشاهدون التلفاز أو يستخدمون الإنترنت. ولا يستطيع الناس العاديون العيش بلا إنترنت، كما لا يستطيع “داعش” العيش بلا إنترنت أيضاً؛ إنه مثل تعاطي الهيروين هنا، الكل مدمنون عليه.
يستخدم الناس تطبيقات “الفيسبوك” أو “الواتس أب”، لأنهم لا يستطيعون حقاً مشاهدة الفيديوهات أو استخدام “سكايب”. على أي حال، يخاف الناس من الوقوع في المتاعب مع “داعش”. في بعض الأحيان يقومون بفحص هاتفك على نقاط التفتيش، وإذا وجدوا عليه أي صور أو رسائل غير إسلامية، فإنك تكون في ورطة.
ينتاب الناس القلق على أولادهم. ولا يتم إجبار أي أولاد على الانضمام إلى المجموعة هنا، لكنهم يعانون من الملل. ليست لديهم مدارس، ويحظر “داعش” العمل على من هم دون سن 13 عاماً. وطوال اليوم يكون الأطفال محاطين بالمقاتلين المدججين ببنادق الكلاشينكوف. الأمر يشبه الأفلام تماماً –إنهم يرون هذه الأشياء، وسوف يريدون في النهاية أن يذهبوا إلى معسكرات التجنيد، ولذلك يبقى الوضع شديد الخطورة.
بعد إغلاقها لأكثر من سنة، أعيد فتح المدارس هذا الشهر، لكن المعلمين اضطروا إلى الذهاب وإدانة أنفسهم على استخدامهم كتباً مدرسية “كافرة” في السابق. ولا يشعر أي منهم بالسعادة بمناهج “داعش” الجديدة التي أعطيت لهم.
تستمر المدارس فقط حتى الصف التاسع (المرحلة الإعدادية)، ويشعر الآباء بقلق بالغ من أن يتم غسل أدمغة أولادهم فيها، حتى أنهم يبقونهم في المنازل على الأغلب. ويدير قلة من الناس مدارس صغيرة  في البيت لتعليم أبنائهم، لكن ذلك عمل شديد الخطورة. ويقول “داعش” إنه سيقتل أي معلمين يضبطهم وهم يديرون مدارس خاصة، لا سيما تلك الخاصة بالفتيات.
لا أحد يعتقد بأنه سيتم طرد مقاتلي “داعش” في القريب، لأن هناك الكثير جداً منهم. وعدد المقاتلين الأجانب في المدينة صادم. ليست هناك أحياء تخلو منهم، وقد تم الاستيلاء على عشرات المنازل.
لا ينظر الناس إلى كوباني فيرون فيها هزيمة، لأن الجميع هناك أُجبروا على المغادرة، ثم قام الأميركان بقصف المدينة حتى حولوها إلى أنقاض من أجل الفوز. وهناك عدد من الناس في الرقة أكبر كثيراً من إمكانية المغادرة، ويعرف “داعش” أنه ليس هناك أي بلد يرغب في إرسال قواته للقتال على الأرض.
يميل الجهاديون من الدول الأخرى إلى البقاء معاً في مجموعات تتحدد بحكم الجنسية أو اللغة –البريطانيون معاً، والهولنديون معاً- وليس لديهم الكثير من الصلة بالناس العاديين هنا. ويخشى كل من الطرفين الآخر.
إذا حدث أن حاول أحد التحدث إلى الأجانب، يكون من المرجح أن تظهر الشرطة الإسلامية وتسأله عن سبب مضايقته لهم، أو ربما تتهمه بأنه جاسوس. لكن الأجانب عصبيون أيضاً، ربما لأن عائلاتهم وحكوماتهم في بلدانهم لا تعرف أنهم هنا. وربما يشعرون بالقلق من احتمال نشر صورهم أو أسمائهم الحقيقية، بحيث يتسبب ذلك لهم بمشكلات في حال أرادوا العودة إلى الوطن.
مع ذلك، ثمة القليل من الفرصة أمامهم للعودة في الحقيقة. من السهل الوصول إلى الرقة، لكن من الصعب جداً الخروج منها. عندما يذهب المقاتلون الأجانب إلى الرقة، فإن أول شيء يفعله “داعش” هو مصادرة جوازات سفرهم، وقد حذر التنظيم الناس في عظات المساجد من مغبة منح الأجانب بطاقات هوية جديدة.
بعضهم استولى عليه الضجر بمجرد وصوله إلى هنا من لندن ونيويورك. لم تكن الرقة في أي وقت مدينة مثيرة، وليس هناك الآن أي شيء يمكن عمله هنا، ولذلك يفقدون الحماس. وقد جاء البعض الآخر فقط ليعشوا حياة طيبة في ظل الخلافة، لكنهم لا يريدون القتال حقاً، ولذلك لا يكونون سعداء عندما يحتاج “داعش” الرجال ويحاول أن يأخذهم إلى الخطوط الأمامية.
لا يستطيع “داعش” تحمل تداعيات خروج أخبار عن انشقاق الناس عنه، ولذلك يتم في السر إعدام أي شخص يحاول التسلل والخروج. وقد قتل التنظيم العديد من الناس في غرب المدينة، وألقى جثثهم في حفرة فقط حتى تصبح روائحها بالغة السوء، واضطروا إلى دفنهم.

واقع الرقة كما روي لصحيفة “الأوبزرفر”. أبو إبراهم الرقاوي، هو ناشط في مجموعة “الرقة تُذبح بصمت”.
نشر هذا الموضوع تحت عنوان: Inside the Islamic State ‘capital’: no end in sight to its grim rule