«داعش» كـ « قيمة مضافة » للعولمة

لم يكن الكثيرون من السورييّن مهتمين بالعولمة وإشكالاتها وتحدياتها، ولا كانت تعنيهم أو تؤرقهم إن كانوا واقعين تحت تأثيراتها ولم يكترثوا بالتصدي لأخطارها، بل كان هناك ما يشغل بالهم ويلهيهم عن هذا الترف الثقافي، وهو تدبير شؤون أيامهم في ظل نظام قمعي دأبَ على جعل حياة محكوميه محصورةً ومقتصرة ًعلى لقمة العيش وتحصيلها إنْ استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

كانت تجليّات العولمة قبل اندلاع ثورات «الربيع العربي» مشابهة ًلما هي الحال عليه في بقية بلدان العالم كتأثير الثقافة الأميركية فيها سواءً في المأكل والمشرب والملبس وشيوع أنماط موسيقية موحدة وسطوة الأفلام الهوليودية وحتى انتشار أجهزة الأي فون التي صارت بيد كلّ البشر في مختلف أصقاع العالم كأحدث إفرازات العولمة.

لكن بعد قيام الثورات في العالم العربي ونتائجها المتباينة في كلِّ دولة والمآلات المختلفة التي أفضت اليها تلك الثورات بحسب الظروف الخاصة المرتبطة بالطبيعة الجيوسياسية لهذا البلد أو ذاك، ومع بروز التنظيمات الجهادية في الساحة السورية سواءً بنسختيها القاعديّة النمطيّة (جبهة النصرة) أو النيوقاعدية (داعش) التي ولدت في ظروف الاقتتال السوري المعقد والفوضى اللامحدودة التي دخلتها البلاد، كلّ ذاك أضاف معاني جديدة يمكن إدراجها في العولمة، وهي الكلمة التي تنطوي على معنى الكونيّة. فتنظيم «داعش» بفاعليته الإجراميّة والتي كان أساسها والحامل الرئيسي لها مقاتلين عابرين للحدود والقارات أمسى مظهراً جديداً وإفرازاً نادراً للعولمة بسياقها السلبيّ أو تمظهراتها الأخطر.

في العادة تكون القيمة المضافة وبحسب الشروحات الكلاسيكية الجديدة لها هي: مساهمة عناصر الإنتاج (العمالة، الأرض، رأس المال) بزيادة سلعة معينة، لكن ما الذي أضافه «داعش» إلى العولمة كي تصبح من قيمها المضافة؟

قد تكون ثورة الاتصالات والحداثة أحد أهم مفرزات العولمة والتي قرَّبت البعيد وجعلت العالم الشاسع المترامي الأطراف قرية صغيرة،ً كما يحلو لمنظّري العولمة أن يطلقوا عليه. فثورة الاتصالات هذه وفَّرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة «تويتر» منصة ومساحة لـ «داعش» كي يمارس دوره الدعوي الكترونياً، وراح مؤيدوه وموالوه يرسلون التغريدة تلو الأخرى وبأكثر من لغة لقنص واجتذاب الشُبّان من شتَّى أصقاع المعمورة للانضواء تحت راياتها و «الذود عن المسلمين لتحقيق دولة الخلافة المرجوة»، وبالتالي يكون «داعش» قد رسَّخ مفهوم العولمة وصار أداةً من أدواته. العولمة الإجراميّة أو الإرهابية توضَّحت مراتٍ عدة، لا بل أزعمُ أنّ المواطنين البُسطاء الرازحين تحت سطوة داعش فهموا العولمة ومقصدها من خلال

حفلات الإعدامات الميدانية المتوالية في ساحات المدن، كما حصل في الرقة السوريّة عندما قام مجاهد قادم من أفريقيا بحزِّ رقبة مدني من أهل المدينة بتهمة الكفر، وأيضاً عندما يقوم الجهادي «جون» البريطاني الذي يخاطب العالم بلكنة إنكليزية بِيّنة باستلال سكاكين النحر المعدّة لقصّ رقاب طياري النظام السوري الذين أسرهم التنظيم، ووراءه ثُلّة من مجاهدي «داعش» ذوي السحنات المتعددة والجنسيات المختلفة.

ومما أضافهُ داعش الى العولمة تربعُ أميره أبو بكر البغدادي على قائمة الشخصيات

الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2014 بحسب وكالة «فرانس برس»، والذي تقاسم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المكانة ليصبح بذلك شخصية ًدولية، مؤكداً عالمية تنظيمه وتأثيره الواضح على العالم ككل.

عولمةُ الإجرام وكونيّته من أهمُّ إسهامات «داعش» في الحضارة العالمية، وإجرامه المنقول لكل أصقاع الأرض باستخدامه البارع لوسائل الاتصال الحديثة، يبرهنُ على سطوته وتأثيره الفعّال وقدرته على المزاوجة بين العودة إلى الماضي شكلاً وهيئةً والمُضيّ قدماً في استخدام كلِّ منجزات ومبتكرات الحضارة الحديثة.

مصطفى الجرادي – الحياة