الرقّة عبَّارات الفرات رفات الأموات

الرقة تذبح بصمت

واحدةٌ من المشقّات اليوميّة التي يكابدها أهالي الرقّة، ألا وهي العبور على عبّارت الموت بين ضفتي نهر الفرات، إذ يضطرّون في بعض الأحيان للتنقّل أكثر من مرّتين خلال النهار، مُجازفين بحياتهم، وصاروا على هذا الحال عقب قصف طيران التّحالف لجسري”المنصور” و”الرشيد”أو ما يُعرف بالجسرين”القديم” و”الجديد”، بحسب اللّهجة المحليّة لسكان الرقّة.

وفي مسحٍ أجرته حملة” الرقّة تُذبح بصمت” مع الأهالي في الرقّة، والذين أبدَوا انتقادهم وبامتعاضٍ لسياسة التحالف الدولي، ويده على الأرض والمتمثّلة بميليشيا قوّات سوريا الديمقراطيّة “قسد” بأنّ التحالف عمد إلى تدمير الجسور بهدف قطع الإمداد عن تنظيم داعش، واليوم وبعد خروج التنظيم، لم تقم الجهات المسؤولة، أو حتّى مُجرّد التفكير، بإعادة هيكلة الجسور وإعمارها، والتخفيف من معاناة المدنيين الذين لا يكابدون مشقّة العبور بين ضفتي النهر، وتعريض حياتهم للخطر فحسب، بل أيضًا الأسعار الباهظة التي يدفعونها لأصحاب القوارب، والتي ليست آمنة بدورها، أو مُعدّة لنقل الناس، وأمتعتهم، حيث يصل سعر عبور الفرد ذهاباً 500 ليرة سوريّة، ومثلها في حال العودة، وقد يضطرّ البعض للعبور أكثر من مرَّتين في اليوم الواحد، إذ يقع السكن في ضفّة ومكان العمل في الضفّة الأخرى، فتتلاقى الأزمات مجتمعةً مقابل ظروف اقتصاديّة صعبة عصفت بأبناء الرقّة نتيجة تدمير البُنى التحتيّة لمدينتهم.

هذا وقد تحوّلت ضفَّتا الفرات إبّان قصف الجسرين إلى ما يُشبه الميناء، مع انتشار القوارب والعبَّارت، أو ما يُسمَّى بـ “البرك”، وهو عبارة عن قطعة حديديّة كبيرة مربّعة الشكل، ومُشغّلة عن طريق محرك ديزيل “مولّدة”، ويقوم بنقل السيّارات الكبيرة والصغيرة.

ولا ينكر الأهالي حالات الخوف التي تخالجهم أثناء التنقّل من ضفّة إلى أُخرى، خاصّةً مع تكرّر حالات الغرق بشكلٍ شبه يوميّ.

وعلى هذا فقد أصبحت ضرورة إعادة إعمار الجسرين ضرورةً مُلحّةً بالنسبة للأهالي، إذ لا تكمن أهميّة الجسور فقط للعبور من فوقها، وتقريب المسافات، وتسهيلها، بل وتُعدّ نقطة ارتكاز لخطوط المياه التي تُغذّي الجزء الجنوبيّ الشرقيّ للمدينة، والتي تعاني من قِلّة توفرها منذ انطلاق الحرب على تنظيم داعش منذ عامّ، ولعدم توافر المياه يضطرّ الأهالي لشرائها وبأسعار مرتفعة، كما وتصل الرقّة عدّة جسور فرعيّة مثل، جسر السلحبيّة، وجسر مزرعة الأنصار من الجهة الغربيّة، وكذلك جسري الكالطة والعبّارة شمال المدينة، والحربيّ شرقها.

فبين مقارعة العزلة من جهة، والسعيّ لتأمين لقمة العيش من جهة أخرى يواصل الرقّيون رحلة التشبُث بالحياة التي باتت محفوفةً بالمخاطر من كافّة الجهات التي صنعتها ظروف الحرب، والتي فرضتها جغرافيّة الأرض، فأن يموت الإنسان الرقّيّ قصفاً، أو بانفجار لغم، أو غرقاً أثناء عبور النهر ليست إلّا أسباباً من أسباب الموت الواحد.