إن أردت السفر في «دولة الخلافة» فعليك حمل دنانير عراقية وليرات سورية ودولارات أمريكية

الموصل تبدو «قصة نجاح» .. أضواء وسيارات وصخب .. وسخط وتذمر في شوارعها الخلفية .. ذكاء في التعامل مع المال لكن «تنظيم الدولة الإسلامية» فشل في إقامة اقتصاد دولة .

إن أردت السفر في «دولة الخلافة» فعليك حمل دنانير عراقية وليرات سورية ودولارات أمريكية .

06x90

لندن ـ «القدس العربي» ماذا يحدث في داخل دولة «الخلافة»؟ سؤال يحاول الكثيرون في الغرب البحث عن أجوبة له.
ففي ظل الآلة الإعلامية القوية التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعرف باسم داعش حيث يسيطر على ثلث العراق وربع سوريا لا يمكن معرفة ما يجري في أراضيه. وحتى الآن لم يستطع الدخول لمناطق تنظيم الدولة الإسلامية إلا عدد قليل من الصحافيين كان آخرهم يورغين تودنهوفر الذي تحدث لصحيفة «صاندي تايمز» عن قوة التنظيم ومظاهر الخوف التي يعيشها السكان، وأكد أن الدولة أقامت في ستة أشهر دولة، حيث سيرت حافلات بين الرقة- عاصمة «الخلافة» والموصل، وأن كل شيء يحمل علامات الدولة من الشرطة الذي يحرسون الحواجز إلى عمال النظافة الذين يجمعون النفايات من الشوارع وإن بشكل غير منتظم.

والصورة التي نقلها الصحافي من داخل «الدولة» تختلف عن تلك التي يقدمها معارضو الدولة خاصة في مدينة الرقة، فمن يقودون حملة «الرقة تذبح بصمت» يشيرون إلى حقيقة مرة وقمع وقتل، ونظام يحرم كل شيء ولا يتسامح مع المعارضة.
وكان تلفزيون «فايس نيوز» قد عرض فيلما لمدين ديرية وهو بريطاني- فلسطيني قدم صورة عن حياة اعتيادية، وكلا من ديرية وتودنهوفر دخلا مناطق الدولة الإسلامية بإذن من المسؤولين فيها. واضطرمنتج الفيلم الدفاع عن نفسه في عدد من اتهامات البعض بأن التلفزيون والمنتج بتنازلهما عن المعايير المهنية. وصور ديرية الحياة في الرقة بكل تفاصيلها من الحسبة إلى المدارس والسجون وما إلى ذلك.

حياة تحت الرقابة

وتظل الروايات القادمة من داخل الدولة غير دقيقة فقد اعترف تودنهوفر أن من تحدث إليهم لم يقولوا الحقيقة بسبب وجود المرافقين له وابنه، وأكد أن التنظيم تحكم بالرحلة وقام بحذف صور التقطها ابنها لدواع أمنية.

ولم يتقبل المقاتلون نقده لأسلوب داعش في قتل المدنيين وتوقفوا عن تناول الطعام معه. وفي محاولة جديدة لمعرفة الحياة في «الدولة الإسلامية» والتعرف على اقتصادها قامت بها مراسلة صحيفة «فايننشال تايمز» إريكا سولومون حيث اعتمدت كما تقول على سلسلة من اللقاءات مع سكان «الدولة الإسلامية» وصحافيين محليين زاروا مناطق حكم داعش. وتوصل التقرير إلى أن محاولة تنظيم الدولة كسب قلوب الناس وبناء دولة قد فشلت.

ويرى من تحدثوا للصحيفة أن داعش استفاد من النظام الإداري القائم قبل سيطرته على السلطة، فيما يقول آخرون إن داعش يقوم بسرقة مصادر المناطق التي يريد حكمها. وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في حزيران/يونيو 2014 قام مقاتلوه بإلغاء الحدود التي تفصل بين سوريا والعراق والتي تعود لترتيبات الحرب العالمية (سايكس ـ بيكو) وأعلنت «الخلافة» عن خطط للعمل بعملة ذهبية جديدة خاصة بها، واستخدم التنظيم المناسبة ونشر حملة دعائية تظهر دولة قائمة حيث صورت مشاهد فيديو لمقاتلي التنظيم وهم يوزعون أكياس القمح المختومة بختم التنظيم.

وتعلق الصحيفة بأن المشروع ـ أي الدولة – يبدو للمشاهد الخارحي مثيرا للدهشة ولكن لمن سنحت لهم الفرصة للتجول والسير في الطرق المغبرة بين الرقة والموصل وجدوا أن الحدود لم تتغير حتى لو دمر داعش المعبر وحوله إلى أنقاض إلا أن المسافر من الموصل عليه أن يحمل معه دنانير عراقية، ودولارات أمريكية ليدفع الأجر في الطريق وعندما يدخل الأراضي السورية عليه التعامل بالليرة السورية.

بلد الفقراء

وتقول الصحيفة إن التنظيم لو كان «خلافة» فسيكون بلد الفقراء لأن معظم سكانه يكافحون من أجل الحصول على لقمة العيش ولا يتعدى دخلهم 115 دولار في الشهر، فيما يحصل المقاتلون الأجانب على خمسة أضعاف ما يكسبه المحليون.

وينفق السكان ثلث ما يحصلون عليه يوميا على شراء الخبز حيث ارتفع سعر الكيلو إلى دولار أمريكي. ورغم معاناة المناطق السورية التابعة «للخلافة» من قطع مستمر للتيار الكهربائي إلا أنه لم ينقطع في الموصل وهذا راجع لجهود السكان الذين اشتروا مولدات لإنارة أحيائهم.

وتشير الصحيفة إلى ان الحكومتين في بغداد ودمشق لا تزالان تدفعان رواتب الموظفين المدنيين. فمحمود وهو مهندس كان يعمل في محطة الطاقة الكهربائية قبل سيطرة داعش على الرقة. وفي الوقت الذي يدير التنظيم حقول النفط والغاز إلا أن محمود يتلقى راتبه الشهري من النظام.

وهناك آلاف من الموظفين المدنيين ممن يخاطرون بحياتهم وينتقلون من مناطق التنظيم للحصول على رواتبهم المرسلة من بغداد ودمشق. ويقول محمود إن حكومة النظام السوري بدلا من تدمير السدود ومحطات الطاقة الكهربائية التي تقع تحت سيطرة داعش توصلت لاتفاقية مع هذا الأخير، يسمح بموجبها لموظفي محطات الطاقة مواصلة العمل فيها مقابل الحفاظ عليها «يقوم داعش بحراسة المصانع ويسمح للموظفين بالقدوم للعمل».

ويضيف محمود ان داعش يحصل على الغاز الضروري للطبخ ويبيع النفط فيما يحصل النظام على الغاز الضروري لتوليد الطاقة ويوفر الكهرباء للمناطق الواقعة تحت سيطرة داعش. ولا تقدم الحكومة السورية رواتب الموظفين فقط بل وترسل قطع الغيار والخبراء لإصلاح الأعطاب.

ويقول محمود «أكره التنظيم من كل أعماق قلبي» و «لكنني لا أملك إلا الإعجاب بذكائهم». وتنقل عن سجاد جياد، وهو باحث مستقل في شؤون العراق قوله إن الوضع مستقر في مناطق داعش لأن الحكومة العراقية تواصل دفع رواتب الموظفين، فيما يقوم تنظيم الدولة بفرض ضرائب على الموظفين بنسبة 50%.

ويقول إن داعش يعتمد على قدرته للسيطرة على مناطق والمصادر فيها من أجل تمويل مناطقه».

ويشير أن حملاته التوسعية تقوم بها جماعات موالية له تحمل رايته وتتصرف كمرتزقة له «ويبدو أن داعش يمول نفسه من خلال بنية هرمية وبدأت الخطط بالتداعي».

وتعاني مناطق الدولة من سوء خدمات ولكن الخوف هو ما يمنع السكان من التحدث علانية، ويضيف إن إمدادات المياه والكهرباء والدواء في أدني مستوياتها ولكن الناس يواصلون الحياة.

ورغم فشل الإدارة الإقتصادية لداعش إلا أن قوته العسكرية وقدراته التنظيمة واضحة. ولم تؤثر الغارات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على قوة داعش فلا يزال يسيطر على ثلث العراق وربع الأراضي السورية.

تسهيلات تجارية

ومع ذلك فليس كل ما يدور في مناطق الدولة سلبي، فالبعض يرى أن سياسات داعش في إدارة المناطق أفضل من الحكومتين السابقتين، فهو يسمح بحرية التحرك في أراضيه لتشجيع التجارة، ويقاضي التنظيم كل شاحنة تعبر مناطقه ضريبة بنسبة 10%.

ويرى تجار من منطقة كردستان العراق ممن يرسلون شاحنات لأراضي داعش أن تساهل التنظيم مع التجار هو «الوجه التجاري اللطيف».

وفي مناطق الدولة من السهل فتح عمل تجاري، فلا يفرض التنظيم رسوما مالية لفتح محل تجاري، مع أن أصحابها يجب أن يدفعوا نسبة 2.5% من عائدات المحل في كل عام. ورغم كل هذه التسهيلات إلا أنها لا تفيد السكان المحليين.

ففي غياب فرص العمل في محور نزاع مستمر يكافح السكان للبقاء وأحيانا بمساعدة من الأقارب الذين هربوا للخارج. وفي منطقة دير الزور يسيطر داعش على مناطق النفط. ويقدر المهندس محمود أن التنظيم يسيطر على 40.000 برميل في اليوم، ويحصل منها على مليون دولار في اليوم.

وكانت طائرات التحالف قد استهدفت مصافي نفط أقامها التنظيم في محاولة لضرب مصادر تمويله لكن السكان المحليين يقولون إنها لم تترك أثرا مهما، ويواصل داعش نقل النفط من حقول النفط إلى تركيا عبر وسطاء عراقيين وسوريين.

ويستفيد داعش والتجار الذين يرتبطون به من تجارة النفط أما السكان فيقولون إنهم لم يروا من الثروة شيئا.

وتحدثت الصحيفة عن تغير الحال عندما سيطر مقاتلو المعارضة الذين تحكموا بحقول النفط وكيف بدأت مظاهر النعمة تظهر على المستفيدين منها ويقول عامل مستشفى في دير الزور إن السيارات الفارهة والمحلات الجديدة بدأت تظهر في المدينة بسبب النفط. ولكن في ظل داعش لا أحد يعرف أن يذهب المال، حيث يباع النفط ويقسم بين الأمراء ولا يصل للمواطنين منه إلا الجزء اليسير. وحاول داعش فرض أسعار على كل شيء من سعر رغيف الخبز للعملية الجراحية ولكن السكان تجاهلوها لأنه من الصعب الحفاظ عليها في ظل ارتفاع أسعار البضائع، ولأن داعش لا يدرس السوق.

ومثل غيره ممن رحبوا بداعش في البداية يرى عامل المستشفى أن سوء إدارة الاقتصاد جعلته يشعر بالخيبة. وترسل في بعض الأحيان منظمات الإغاثة مساعدات طبية يتسامح معها تنظيم داعش.

سخط

ورغم أنه من الصعوبة بمكان تقييم ما جاء في الشهادات التي جمعتها الصحيفة لكنها تشير إلى حالة من الإحباط والسخط من طريقة إدارة تنظيم داعش للاقتصاد. ويرى عدد آخر أن سبب فشل داعش الاقتصادي يعود إلى غياب الخبرة في التجارة والزراعة أو لأن التنظيم ليس مهتما.

وتظل مسألة الأمن الغذائي مهمة بالنسبة لتنظيم الدولة، وفي الوقت الذي تشبه الحياة في الرقة نظام «دولة» إلا أن الصورة مخادعة في الموصل.

وتقول الصحيفة إن النظرة الأولى تعطي انطباعا أن مدينة الموصل هي «قصة نجاح» لحكامها الجدد، الذين يمثلون أكثر جماعة جهادية إثارة للرعب في القلوب: المقاهي مزدحمة بروادها، صوت مولدات الكهرباء يهدر والسيارات تذرع شوارعها الصاخبة.

ولكن القصة الحقيقية تظهر في الشوارع الخلفية، حيث يتذمر الناس من الحياة في ظل الدولة الإسلامية التي أعلنت عن نفسها كخلافة.

ونقلت عن أبو أحمد (40 عاما) قوله «عندما كنت في السابعة من العمر بدأت الحرب ضد إيران، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعيش الحرب»، وأضاف «لقد تحملنا العقوبات الدولية، الفقر والظلم ولكن الحياة لم تكن أسوأ مما هي عليه الآن». ومثل غيره من المصلاويين رحب أبو أحمد بداية بوصول مقاتلي الدولة الإسلاميين.

وفي الوقت الذي تسامح فيه مؤيدو داعش مع ممارساته من الرجم وقطع الرؤوس وما يتعرضون له من غارات جوية ولكن بدون اقتصاد يعطي السكان فرصة لمواصلة حياتهم وأعمالهم فليس لدى التنظيم ما يقدمه لهم. ويقول تاجر اسمه محمد أنه من السهل التعامل مع داعش مقارنة مع الحكام السابقين، «لا تثير غضبهم ويتركونك لشأنك».

وأضاف «لو استطاعوا توفير الخدمات فسيحصلون على دعم الناس وللحظة الأخيرة».

وبسبب هذا بدأ داعش يخسر لمعانه. وتنقل كيرك سويل من «يوتنسيس ريسك سيرفيس» قوله «في مدن سوريا كالرقة ودير الزور قد تكون هناك دولة فاعلة ولكننا لم نلاحظ وجود هذا في العراق».

وقال إنهم يديرون دولة تشبه مافيا، جماعة تمرد وإرهابية في نفس الوقت. وربما فكروا أنهم سيقيمون دولة قبل ستة أشهر ولكن ليس لديهم الرجال والقوة البشرية».

موازنة عام 2015

وينظر لتنظيم الدولة الإسلامية بأنه الأكثر ثراء وقوة بين الجماعات الجهادية. وكانت صحيفة قطرية قد نقلت عن قيادي في الدولة اسمه سعد الأنصاري قوله إن التنظيم أعلن عن موازنة عام 2015 والتي بلغت ملياري دولار أمريكي. بزيادة 500 مليون دولار عن العام الماضي حيث ستذهب هذه الأموال لدعم الجهود الحربية.

وقال الأنصاري ان «الدولة الإسلامية» ستعلن عن افتتاح مصرف في الموصل تحت إشرافها الكامل. وعلقت مجلة «نيوزويك» على التصريحات بقولها إن مالية داعش ظلت محلا للنقاش.

واعتبره تقرير في مجلة «أنترناشونال بزنس تايمز» «أكثر الجماعات الإرهابية ثراء في العالم». وجاء التقرير بعد تقارير كردية عن قيام المقاتلين بحيازة ملايين الدولارات من المصرف المركزي في مدينة الموصل وذلك عندما سقطت بيد المقاتلين في حزيران/يونيو2014.

وأكدت صحيفة «فايننشال تايمز» أن التقارير غير صحيحة. فلم تحدث «أكبر عملية سطو على بنك» بعدما نقلت عن سكان المدينة المحليين قولهم إن عملية السطو لم تحدث. وقدرت المجلة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014 أن التنظيم يحصل في اليوم على حوالي 6 ملايين دولار ومن مصادر عدة مثل النهب والضريبة والخطف وبيع النفط في السوق السوداء وتمويل خاص من متعاطفين مع الدولة في دول الخليج. وتقول مؤسسات في لندن تراقب نشاط المتشددين إن موازنة عام 2015 وهي مليارا دولار معقولة. ونقلت عن تشارلي وينتر من مؤسسة قويليام قوله «لقد تم الإعلان عن أرقام كهذه خلال الأشهر الماضية، وبعضها يحاول تقديم داعش بصورة جيدة وأخرى سيئة».

ويضيف وينتر قائلا إن الإعلام مثير للاهتمام ولكنه لم يظهر على أية قناة من القنوات الرسمية التي تستخدمها الدولة للإعلانات الرسمية».

وقال «من المثير للدهشة قيام مؤسسة سرية بالإعلان عن معلومات حساسة كهذه وتعريف الرأي العام بها». ولم يستبعد أن تكون «تسريبا من داخل الدولة الإسلامية ولكن هناك فرصة لعدم صحتها».

المصدر : القدس العربي – إبراهيم درويش