البعث وداعش وقسد في ضيافة شيخ العشيرة

الرقة تذبح بصمت

اعتمد حزب البعث في توطيد سلطه على البلاد عبر عدة وسائل منها العسكرية والأمنية بالإضافة للدعم الخارجي والامساك بزمام الامور في كافة مؤسسات الدولة المفصلية والأمنية كذلك استغل وجهاء وشيوخ القبائل السورية بعد اعطائهم امتيازات ومناصب فخرية في سبيل تثبيت اركان حكمه باستقطاب افراد القبيلة عن طريق شيوخها وهو الأمر الذي رفضه كثير منهم والتزم الحياد قسم آخر وهؤلاء تم تهميشهم ودعم اقرباء لهم وتنصيبهم شيوخا ووجهاء في محاولة لنقل سلطة “شيخ العشيرة” اليهم، وبهذه الطريقة جرت العادة واصبح اسم الشيخ مرتبطا بالدولة والنفوذ من خلال “مجلس الشعب” الذي اصبح جائزة لمن يثبت ولاءه للسلطة ورئيس الهرم بها.

هؤلاء “الشيوخ” هم ذاتهم يملكون من الصلاحيات مالا يتجاوز الحصول على عقد عمل مؤقت لأحد ما في مؤسسات الدولة أو نقل “عسكري” من مكان إلى آخر وإن كان نفوذ “الشيخ” واسعا يتمكن من الحصول على اجازة 7 ايام لمجند كان اهله قد توسطوا له عند الشيخ، لكن حتى هذا النفوذ كان بمثابة جبران خاطر للشيخ وليس لقوته في السلطة والدولة ولم تكن هيبة الشيخ الا على بعض من ابناء العشيرة المهمشين من لازال يعتقد ان الشيخ يقول ويفعل وله صولات وجولات وامجاد وهم نسبة قليلة في كل قبيلة.

التحق عدد لابأس به من هؤلاء الشيوخ بالثورة السورية بعضهم بشكل متأخر بعد أن مالت كفة القوة إلى الثورة في أيامها الاولى وذلك لاتخاذ موقف لا أكثر دون تقديم أي دعم كان، حتى أن قسم منهم اعلن مولاته للثورة من جهة وبقي ملازما للنظام يقدم تقاريره الأسبوعية لقادة الفروع الأمنية بحيث يكون متلونا للطرفين ويربح في الحالتين! لكن هناك من ربح في عدة حالات!.

لم يوالي بعض الشيوخ الثورة السورية بصدق وايمان وانما لمصالح شخصية بحتة ونتيجة تهميش الكثير منهم من قبل الثوار وذلك لاطلاعهم على ماضيهم الاسود وارتباطاتهم الوثيقة بالأمن السوري.

تراجع الكثير منهم –شيوخ العشائر- عن مواقفهم حتى قبل انسحاب الجيش الحر وحين سنحت الفرصة مع تنظيم داعش منهم من اجبر على البيعة ومنهم من رمى نفسه في حضن “داعش” للبيعة والدخول في مكتب العشائر في محاولة لاخذ بعض الاستثناءات من التنظيم الذي لم يكافئ احدا منهم الا بالولائم والاسماء ورغم ذلك بقيوا على مواقفهم من التنظيم الذي قتل ابنائهم وضرب نسائهم واهان صفاتهم الاجتماعية وليس بغريب عليهم ذلك طالما انهم تحملوا امور اشد منها في فروع الامن لكن كان هذا بمقابل، وبالنتيجة هم اناس تعودوا على الذل والهون في كرامتهم وكرامة اهلهم لاجل اشياء ليس لها اي قيمة.

هم ذاتهم –الشيوخ- لم يتمكنوا يوما من اطلاق سراح سجين او معرفة مصير مخطوف ومع ذلك بقيوا في نفاقهم ألى أن جاءات ميليشيات “وحدات حماية الشعب” وسيطرت على مناطق واسعة من ريف الرقة واتخذت اسلوب اسلافها باستقطاب شيوخ العشائر لكسب الشرعية في المنطقة لكن هذه المرة كما فعل البعث فعلوا وقدموا امتيازات كثيرة منها التسريح من الخدمة الاجبارية واستعادة اراضي مصادرة والاقامة في منازل فارهة تعود ملكيتها لمدنيين فارين من “الوحدات الكردية” بالإضافة لتوفير الحماية ومخصصات من المواد الغذائية والمحروقات وغيرها مما يتمناه هؤلاء –الشيوخ- لكن مع كل هذه العروض والاستثناءات يبقى هناك سقف لطموحات الشيخ ولايمكن ان يتعداه باي شكل من الاشكال بحيث ينحصر نفوذه بما ذكر اعلاه ومحرم عليه التدخل في السياسة العامة للادارة الذاتية التي انشئت على اساس قيام دولة كردية وعدم المساس بالتوجه الفكري الذي يعتمد على الماركسية كما لايحق له الاعتراض على الاسماء الجديدة للمدن والقرى العربية وحملة التغيير الديمغرافي التي هجرت قبيلته ومايستند عليه في “شيخته” الامر ليس فقط من المحرمات والمرفوضات بل على العكس تماما يجب عليه التشجيع والعمل على ذلك ودعم هذا المشروع من خلال زج ابناء القبيلة في صفوف الوحدات لقتال تنظيم داعش والجيش الحر.

وفي المقابل كان هناك شيوخ ووجهاء حملوا على عاتقهم نصرة الثورة والشعب السوري عموما منذ تسلم البعث السلطة في البلاد حيث عمشوا واقصيوا بالإضافة للاستيلاء على ممتلكاتهم واموالهم بحجج واهية تعزل الشيخ عن محيطه وتخفيض من قيمته الاجتماعية بين افراد قبيلته وكذلك عوقبت عائلاتهم واحفادهم حتى يومنا هذا ولم يتواروا عن نصرة الثورة منذ انطلاقها ودعموا وقدموا كل مايملكون لها وعانوا ماعاناه السوريين من قتل وتهجير وتشريد ولازالوا على مواقفهم صامدين لم يبدلوا او يهونوا في ذلك.

السقطة الاجتماعية والاخلاقية التي اصابت شيوخ –البعث- لايمكن ان تبقي الامور على ماكانت عليه بعد كشفهم من قبل ابناء العشيرة انفسهم وحتى عائلة –الشيخ- واصبح سيرة من السخرية يتحدث بها الناس في امسايتهم وليال سمرهم، فالمحرمات في مضافات المشايخ سابقا اصبحت مباحة الان وانتهى عصرها، واصبح هذا المنصب الفخري مرفوضا وقيد الاندثار كما اندثر غيره الكثير، اصبح الشيخ الآن هو الثائر بوجه الظلم والعشيرة هي الثورة وساحات الدم هي المضافات وكل شيء غير هذا هو أمر اكل عليه الدهر وشرب.