سورية التي نعرفها… إنتهت

الرقة تذبح بصمت

من الجنون أن نتحدث عن سورية التي نعرفها “سابقاً” بحدودها الجغرافية وعلاقاتها الإجتماعية التي تربط ابنائها ببعض وسط شلال الدم الذي يجري من الشمال إلى الجنوب دون أن تسمع صوتا واحداً ينادي بايقافه إلا من رحم ربي.

هذا هو الواقع اليوم ولا يمكن إنكاره بعد الذي جرى ويجري في الرقة ودرعا حين يقابل بصمت مطبق من قبل الجميع، جميع السوريين وغير السوريين دون سبب مقنع، حتى وإن كان هناك سبب فهو لا يبرر جريمة الصمت التي ترتكب وتوازي جريمة القتل.

تتعرض مدينة الرقة اليوم ومن اشهر لحملة حرق ممنهجة من قبل التحالف الدولي وقواته الأرضية التي تدخل المدينة بسياسية الارض والبشر المحروقين الذين لا قيمة لهم، كل هذا قوبل بصمت محلي معيب وكله بحجة الخلاص من داعش ودون ذلك هو الاتهام بالموالاة لداعش.

مئات القتلى والجرحى خلال اسابيع ودمار واسع في البنى التحتية والابنية السكنية وكل متطلبات الحياة قبل ان تدخل ميليشات قسد إلى الرقة، ماذا لو دخلت؟ كيف هو التحرير وماهو تعريف هذا المصطلح؟ تحرير من وماذا؟ الاسئلة كثيرة ولا إجابات لها الا الصمت أو “داعش” هذه الشماعة التي يتشدق بها كل العالم وكل قول غيره هو بمثابة إتهام بالوقوف بصف الارهاب.

قتلت ميليشيات قسد ومن يدعمها من الجو خلال شهور مالم تقتله داعش خلال 4 سنوات في حرب شعارها حماية المدنيين وطرد الارهاب الذي قتل البشر والحجر؟ ماهو تعريف الارهاب وكيف يكون؟ هل القضية تتعلق باسم القاتل وعلى موجبه يتم تحديد فعله ونواياه!.

بالأمس دعى عدة ناشطون رقاويين لتظاهرة عامة تنديداً بالقصف العشوائي على المدنيين في الرقة، في مدينتي اورفا وعينتاب التركيتان كونهما يحتضنان العدد الاكبر من السوريين، إلا أن هذا العدد الاكبر تبخر بعدما شارك في التظاهرتان اقل من 20 شخصا دون مؤازرة من أحد ومن أزر كان بالسؤال الا تفرحون للخلاص من داعش؟ هذه ضريبة التحرير وعليكم تحملها!.

وإذا ماتحولنا إلى درعا التي تتعرض لاشرس حملة عسكرية منذ تحريرها من النظام الذي استخدم كل شيء في سبيل التقدم مترا واحد واستغلال الاوضاع السياسية في المنطقة وحرب داعش في الرقة وغيرها من احداث الشمال، إلا أن السحر أنقلب على الساحر وتراجع وخسر مناطق كانت بحوزته بعد شراسة القتال والصمود الاسطوري الذي قدمه اهل درعا الذين قتل منهم العشرات بين مدنيين وعسكريين في حملة القصف الجنونية التي تشنها طائرات النظام ومن خلفها روسيا.

درعا التي تتعرض لهذه الحملة، لم يدري عنها أحد ولم يعرف عنها أحد إلا أبنائها الذين يشاركون الرقاويين جرحهم وألمهم الذي يتجسد في الحرب والموت وفي الصمت والخذلان.

الحملة الاخيرة على الرقة والمدعومة بشكل ضخم من قبل الولايات المتحدة الامريكية ليست لتحرير الرقة او لطرد داعش بقدر ماهي ترسيم لخريطة جديدة تنسف الحدود الجغرافية التي نعرفها، هي حدود جديدة لكيان جديد دون الاختلاف على تسميته إن كان اقليم او دولة او غيرها من الاسماء التي تفرق وستفرق وتبعد السوريين عن بعضهم بعد بعدهم الاخير والتزمهم الصمت تجاه مايجري في الرقة ودرعا دون سبب يذكر.

كذلك الحملة الاخيرة على درعا ليست إلا للوصول للحدود الأردنية وفصل غرب درعا وزجه في مواجهات مع تنظيم داعش الذي يسيطر على الحدود مع الاردن واسرائيل وبذلك النهاية معروفة لكل من يقرء الاحداث ويعرف لماذا جاءت داعش وماهي مهمتها في سوريا، كما حصل في الرقة طبعاً.

لا تقع الملامة على أحد من السوريين في مايجري فالعالم اجمع تكالب على هذا البلد، لكن الملامة على الصمت تجاه مايجري، الخذلان هو كذلك حين يشعر اهل الرقة ودرعا انهم وحيدون لا نصير لهم حتى بالكلمة، او في القلب والدعاء، هكذا ارادوا بنا كسوريين وهكذا قسمونا جغرافيا وسياسيا واخلاقيا واجتماعياً وبعد ذلك كله لا يمكن للعقل ان يتصور ماذا سيفُعل بنا ومالذي يحاك ضدنا اكثر من الذي جرى!.