التعليم في الرقة بين الأحمر والأسود والأصفر

الرقة تذبح بصمت

تعدُّ محافظة الرقة من المحافظات النامية تعليمياً، وهو مصطلح يطلقه النظام على المدن التي تعاني وضعاً متدهوراً في التعليم، ويقصد به محافظات الجزيرة السورية (الرقة، دير الزور ،الحسكة)، فقد كانت الرقة ساحة تجارب للقرارات الصادرة عن وزارة التربية، فكانت المدينة الوحيدة في سوريا عدا طرطوس التي تسمح بالتعليم المختلط بين الجنسين في كافة المراحل التعليمية، ليصدر قرار إلغاء الاختلاط في العام الدراسي 2002- 2003.

هذا ولم يكن التعليم بأفضل حالاته، حيث شكل نقص الكادر التدريسي وخاصة في الريف المعضلة الأكبر، فنادراً ما كان النظام يسده بما يعرف بنظام الوكالة أو الساعات، حيث يكون المعينون في الغالب طلاب جامعة لم يتموا تعليمهم بعد، يأتي بهم من خارج الملاك وهم في معظم الحالات غير أكفاء، ومن خارج المحافظة يتم تعينهم بسبب قربهم من الجهات الأمنية رغم وجود المئات من أبناء الرقة من خريجي الجامعات ممن لا يجدون فرص عمل.

كل هذا أدى إلى شبه انهيار في العملية التدريسية وانتشار الدروس الخصوصية ولكافة المستويات التعليمية وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، مما شكل عئباً كبيراً يستنزف دخل الأسر في الرقة.

وبعد خروج الرقة عن سيطرة النظام السوري في الرابع من آذار 2013، حاول بعض المدرسين من أبناء الرقة تدارك النقص الحاصل وسد الفراغ فتأسست “رابطة المعلمين الأحرار”، وكان العمل فيها تطوعياً والكثير ممن أشرفوا على هذه العملية هم من المفصولين عن عملهم من قبل النظام نتيجة مواقفهم المؤيدة للثورة، استطاعت الرابطة حفظ أرشيف مديرية التربية ونقله إلى مكان آمن قبل تعرض المديرية لغارة جوية أدت إلى تدمير جزئي في المبنى، وقد اعتمدت الرابطة منهاج الحكومة السورية المؤقتة في التدريس، وهو نفس منهاج النظام علمياً، مع حذف العبارات التي تمجد النظام، كما تم حذف مادة التربية القومية، وقد عملت الرابطة على الإشراف على الامتحانات الإعدادية والثانوية واصدار النتائج، بل وأوفدت الأوائل للدراسة في فرنسا عن طريق بروتوكولات تم توقيعها مع الجامعات الفرنسية، وبالرغم من محاولة فصيل “أحرار الشام” و “تنظيم داعش” التدخل في سير المدارس، وتأسيس منظمة شبيهة للتعليم إلا أنّها فشلت ولم تتمكن من انجاز أي شيء فعلياً.

وقد استمر سير التدريس في مدارس الرقة المحررة، حتى اليوم الأول من العام الدراسي 2013-2014، حيث قام طيران النظام السوري باستهداف ثانوبة إبن الطفيل التجارية لحظة دخول الطلاب إلى المدسة، مما أدى إلى استشهاد 13 طالباً وطالبة وحارس المدرسة وعدد من المدنيين، في رسالة واضحة أن لا تعليم في المدينة المحررة، مما دفع الكثير من الأهالي إلى منع أولادهم من الالتحاق بالمدارس، ليتكرر بعدها استهداف المدارس كثانوية الرشيد وعمار بن ياسر.

التعليم في ظل تنظيم داعش

تميزت مرحلة سيطرة داعش بالتخبط في التعليم ففي بداية عام 2014 سمح التنظيم بإكمال التدريس بشروطه كعزل الذكور عن الإناث وإرسال مفتشين إلى المدارس، بل واتخذ المدارس وسيلة لجذب المراهقين والمراهقات إلى أحضان التنظيم، وبلغت الوقاحة به إلى ارسال دوريات للحسبة النسائية دارت على ثانويات البنات عارضة عليهم الزواج من مقاتليه الأجانب.
وبعد سيطرة التنظيم على الموصل صيف 2014 منع التدريس في المدارس، وأعلن أنه بصدد طبع مناهج خاصة به، وأجبر المعلمين على اعلان استتابتهم من “الردة” التي وقعوا بها بإنتمائهم للمناهج السورية.
إلا أنّ التنظيم وعقب إغلاقه المدارس، لم يفي بوعده باستكمال العملية التعليمية، واقتصر عمله على افتتاح عدد من المدارس المخصصة لأطفال مقاتليه الأجانب، خصوصاً من هم من أصول غير عربية، بغية دمجهم في المجتمع الجديد، وعاض عن المدارس بافتتاج معسكرات للأطفال كمعسر “أشبال الخلافة” و”معسكر الزرقاوي” في الرقة.

التعليم في ظل سيطرة ميليشيات “سوريا الديموقراطية”


سيطرت مليشيات سوريا الديمقراطية والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية YPG عصبها الرئيس، على تل أبيض وعين عيسى وسلوك في ريف الرقة الشمالي في حزيران 2015، وقامت تلك القوات بتهجير كامل لأهالي سلوك وريفها القريب وقرى عين عيسى بحجة الوضع الأمني غير المستقر، وعمدت بعد ذلك على فرض المناهج الصادرة عن “الإدارة الذاتية” والتي تعتمد التدريس باللغة الكردية، في محاولة للتغير الديمغوغرافي لتلك المناطق، واقتصر عمل المنظمات غير الحكومية على المشاريع اللوجستية كتوزيع الحقائب وتأهيل المدارس.


وهذه القوات تتقدم اليوم جنوباً باتجاه ريف الرقة المركز وهي على مايبدو ستتبع نفس الأسلوب بالرغم من تصريحاتها المعاكسة تماما للواقع على الأرض.