عن الحاضنة الشعبية لتنظيم داعش الرقة نموذجا “2”

الرقة تذبح بصمت

نتحدث هذه المرة عن التركيبة الاجتماعية والسياسية للمدينة فالرقة تتكون في معظمها من مجتمع عشائري يضم تكتل عشائري لقبائل البوشعبان القحطانية العربية مع وجود بعض الوافدين من ريف حلب وريف حمص في سبعينيات القرن الماضي بعد النهضة والتوسع الذي شهدته المدينة، وهذا المجتمع العشائري يتكون من قبائل لها شيوخ لكن نظام البعث الذي يعتبر في عقيدته وفي سبيل السيطرة على المجتمع أنّ القبلية شكل من أشكال “الرجعية” عمل على تهميش هذه العشائر وتقويض دور شيوخها ومنح لشيوخ العشائر امتيازات مادية وتسهيلا لقروض دون أن يسمح لهم بتكوين أي تكتل سياسي أو حتى اجتماعي وكان رئيس أي فرع أمني يقوم حين تعيينه في المدينة باستدعاء شيوخ العشائر واغداق العطايا عليهم ومنها كرسي في مجلس الشعب “قبل الانتخابات حتى” ، وكان هذا سقف الحد المسموح به لشيوخ المنطقة، ولم يعبأ النظام السوري -نتيجة تركيبته الاستبدادية- بملء هذا الفراغ عبر تقوية مجتمع مدني أو مؤسسات دولة قوية تقوم بتعبئة هذا الفراغ في المجتمع فكان الفساد والمحسوبيات تنخر في عظم هذا المجتمع كما كل المدن السورية مع اضافة نظرة عنصرية كرسها تجاه أهل الرقة والمنطقة الشرقية من سوريا عموماُ بأنهم “شوايا” وقد أطلقها كصفة تحقيرية على سكان تلك المناطق حتى في الإعلام كانت المسلسلات السورية تصور “الشاوي” على أنّه إنسان جاهل شبق جنسياُ قادم من العصور الحجرية ويصور الرقة على أنها بضع خيام وأناس خارج التاريخ بشكل عنصري ومنحط .

في الثورة السورية وفي البدايات تحديداً الكل يذكر كلمة الضابط للمعتصمين أمام وزارة الداخلية مهدداً إياهم بأنه “سيفلت عليهم الشوايا” في إشارة إلى المجندين من العسكر الذين هم معه !!.

بدأت الرقة الحراك الثوري كاستجابة لنداء المدن السورية المنكوبة في نهاية شهر آذار 2011 ، نتيجة صغر المدينة كان من السهل السيطرة للنظام على الوضع فيها، ونتيجة للفراغ الاجتماعي السابق ذكره انقسم المجتمع على نفسه بين ثوار وهم في غالبيتهم من جيل الشباب ، وبين صامت وبين شبيحة ومناصرين للنظام دون أن يتخذ الانقسام أي شكل عشائري حيث أن في كل عشيرة كان يوجد الشبيحة والثوار والحيادين وبنسب متقاربة لدى جميع العشائر.

شيوخ العشائر اتخذوا موقف الوقوف مع النظام أو الصمت عما يجري، حاول النظام استغلال الوضع والإيحاء بأنّ “مجتمع العشائر” في الرقة يقف في صفه فأعاد تفعيل دور العشائر ونظم عدداً من مؤتمرات العشائر التي صفاً واحداً خلف القيادة الحكيمة !!!.

وبلغت ذروة استغلال النظام لدور العشائر المفترض أثناء زيارة بشار الأسد غلى مدينة الرقة وأداء صلاة العيد في الرقة حيث حيا مواقف “العشائر العربية الأصيلة إلى جانبه”.

بعد تحرير الرقة من نظام الأسد في ربيع العام 2013 وسيطرت الجيش الحر وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية على المدينة تداعى شباب المدينة ومثقفيها لتشكيل نواة لجسم مدني يقود المدينة وكانت تجربة المجالس المحلية في المناطق المحررة في بداياتها، نجح المجلس المحلي رغم الصعوبات الكبيرة في ادارة المدينة دون وجود تشكيل سياسي موحد يكون بمثابة مرجعية فكان دور المجلس خدمياً بحتا، تعاونه بعض التجمعات الشبابية التي كانت ظاهرة لافتة وجديدة في المجتمع، وهنا لابد من ذكر الخطأ القاتل الذي وقعت به المعارضة السياسية المتمثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية، حيث لم يبذل أي جهد يذكر في ملء الفراغ السياسي بالرغم من أنّها أكبر مساحة متصلة جغرافياً وإدارياً وبها مقومات لتشكيل عمل مؤسساتي في المناطق المحررة فاكتفى بزيارة لعضوين أو ثلاثة كانت أشبه بالسياحة وأخذ بعض الصور دون تقديم أي شيء ملموس، منظمات المجتمع المدني الدولية منها والمحلية اقتصر دورها على إرسال بعض الشحنات الإغاثية وبعض الأدوية …

بعد سيطرة تنظيم داعش ورغم كل امكانياته لم يستطع ادارة المدينة فترك المجلس المحلي يعمل رغم أنّه يتلقى دعمه من منظمات “كفرية” حسب عرف التنظيم ولم يقم بإغلاقه حتى آب من العام 2014 بعد سيطرته على مدينة الموصل والإيرادات الضخمة التي حصل عيلها.