عن الحاضنة الشعبية لتنظيم داعش الرقة نموذجا “1”

الرقة تذبح بصمت

لماذا سيطر تنظيم داعش على الرقة دون غيرها ولماذا استمرت المدينة كل هذه المدّة تحت حكمه دون وجود أي حراك مدني أو عسكري واضح لأبناء المدينة تجاه هذا التنظيم ؟ كثيراً ما يتردد هذا السؤال من قبل السياسين والباحثين والصحفيين، معظم الإجابات تتركز حول أنّ أبناء هذه المنطقة أو تلك يشكلون “حاضنة اجتماعية” ،وفي حال كان الصحفي أو الكاتب منصفاً يرجعه إلى طائفية نظام الأسد مما يستلزم رداً يوازيه في العنف والإجرام هذه الإجابات تكون استسهالاً وتعميماً ظالماً واغفالاً للسياق التاريخي والاجتماعي.

تحتمل تلك الأسئلة واجابتها الكثير من النقاش والتحليل سنقوم في هذه المادة بمحاولة مناقشة بعض هذه الأسئلة وطرح أسئلة للنقاش العام علها تسهم في تكوين وعي أفضل واجابة أشد دقة علما أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى اختصاصين ومراكز دراسات وباحثين مختصين لكن سنكتفي هنا بطرح اجابات عامة وفتح باب النقاش .

يبرز مصطلح “الحاضنة الشعبيّة” من بين المصطلحات الكثيرة التي تتكرّر هنا وهناك، ويتمّ تداولها كحقيقة مثبتة في حين أنّه يتمّ توظيف مفهوم “الحاضنة الشعبيّة” لتجريم شرائح اجتماعيّة بأكملها، أو تدمير مدن وقرى على رؤوس أهلها، بحجّة أنّها حاضنة للإرهاب وداعمة له، وأنّها ترفده بالعناصر البشريّة، وتكفل له الغطاء الاجتماعيّ، وتبرّر له جرائمه تحت بنود الواجب، وتستقبل المتورّطين فيه كمخلّصين لا مجرمين. لذلكم فهي من وجهة نظر المخالف المختلف تستحق الإفناء والتشريد والقتل، لأنّها شريكة في القتل ومحرّضة عليه.

مثلاُ النظام السوري اتهم كل المناطق التي شاركت في الثورة ضده “بؤر حاضنة للإرهاب” ، ففي حواجز النظام يكفي أن تكون من الرقة مثلا كي تكون عرضة للاعتقال ووثقت عشرات الحالات لاعتقال المواطنين من الحواجز فقط لأنك من الرقة وفي حالات عديدة كان المعتقل مؤيداً للنظام لكن ذلك لم يشفع له أو تخفف عنه وطئة التعذيب فكل من هو ساكن مدينة الرقة أو من مواليدها “داعشي” حتى يثبت العكس .

كذلك القصف مبرر على الرقة ففي تاريخ 24/11/2014 تعرضت المدينة لعشرات الغارات الجوية استهدفت الأسواق ووثق استشهاد 205 مواطن مدني ولكن رد الفعل كان السكوت التام حتى أنّ الولايات المتحدة وعبر موقع خارجيتها على موقع تويتر صرحت بأنّها قلقة من اصابة مدنيين أثناء غارات نفذها طيران النظام على مدينة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم داعش بمعنى أنها غارات حدثت نتيجة “خطأ” وليست جريمة استهداف مدنيين علما أن منظمة العفو الدولية وثقت الحادثة وأكدّت أنّ أقرب موقع لتنظيم داعش عن أماكن الغارات يبعد 1.5 كم !!

حتى في كثير من حواجز الجيش الحر في المناطق المحررة يحدث كثيراً أن توقف فقط لأنك من الرقة باشتباه أنك داعشي مفترض فقط لأنّ هويتك مسجل عليه مدينة الرقة.

اليوم تتحدث أمام أي مواطن أجنبي وربما “سوري” في بعض الأحيان وحين تذكر له الرقة أول ردة فعل تكون عنه “داعش!!” ، كثير منا تعرض لهذه المواقف المحرجة .

لابد قبل مناقشة كل هذه الأفكار من استعراض سريع لتاريخ المدينة وتركيبتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للإحاطة بفهم أكبر عن المجتمع.

في السياق التاريخي للرقة وريفها لم يسجل أي حضور لأي تيار ديني قوي سلفي أو غيره ، الطابع التاريخي لمدينة الرقة في التدين هو التدين الريفي الصوفي القريب جداً من التصوف التركي، فالنقاب لم يكن معروفاً في أي مرحلة من تاريخ الرقة، كذلك التحزب لأحزاب أو حركات إسلامية فحركة الأخوان المسلمين لم تتمكن من اختراق المجتمع الرقي في أحداث الثمانينات من القرن الماضي أو قبلها حتى مثلما حدث في الحواضر المدينية الأكبر كحلب وحماة ودير الزور وادلب، إلا بضعة أشخاص لم يشكلوا أي هامش يمكن أن يحدث حركة اجتماعية .

كذلك الرقة لم تكن منطقة احتكاك طائفي بمعنى جميع سكان المنطقة هم من الطائفة السنية فلا وجود لأي احتكاك طائفي مباشر يمكن أن يكون محرضا اجتماعيا ً لأي تطرف مضاد، الرقة بيئة قبلية توسعت وأصبحت مدينة متوسطة الحجم لم ترق إلى مدينة كبرى، لكنها لم تعد قرية أو ناحية بل مدينة كبيرة بخدمات معدومة وإهمال حكومي شديد، تعتمد في اقتصادها على الوظائف الحكومية والزراعة وتجارة تكاد تعتبر خدمية لأبنائها فقط، في العقود الأخيرة ومع توجه الحكومة إلى ما يسمى “اقتصاد السوق الاجتماعي ” قامت بالقضاء تقريباُ على قطاع الزراعة، كانت نتائجه كارثية حيث فقد عشرات الآلاف من الأسر مصدر رزقها وأفضى بها إلى البطالة والبحث عن فرص عمل في دول الجوار والخليج العربي.