العشائر العربية هل هي المخلص من داعش حقاً

الرقة تذبح بصمت

يكثر الحديث في هذه الأيام عن قرب معركة طرد تنظيم داعش من مدينة الرقة التي تعتبر معقله الرئيس في سوريا، وقد طرح عدد من الخبراء والمسؤولين العرب والغربيين، إمكانية تكرار تجربة الصحوات في العراق واستغلال الطبيعة العشائرية للمنطقة في تشكيل جيش عشائري يقوم بطرد تنظيم داعش ومسك الأمن في المنطقة لكن التركيبة العشائرية للمنطقة تختلف عن مثيلتها في العراق حيث أن حزب البعث وعلى مر الأربعين عاما الماضية حطم أي بنية اجتماعية متماسكة يمكن أن تشكل تهديدا لسلطته ففرغ العشيرة من أي مضمون سياسي واعتمد على تقسيم العشيرة إلى كتل مختلفة ومتصارعة على الزعامة المطلقة دون أن تتمكن أي منها من تحقيق ذلك، طبعا كان المنصب السياسي الوحيد الذي يمنحه النظام هو عضوية مجلس الشعب وهو مجلس صوري، ومع ذلك لم يكن يبقيه الا لمن يبدِ ولاء أكثر للنظام، فتحولت العشيرة إلى وحدة اجتماعية يقتصر دورها على المصالحات في الخلافات – وهذا الأمر يمكن استغلاله لاحقا في ارساء الأمن الاجتماعي – ولكنه لن ينجح في تشكيل قوة عسكرية متماسكة، كما أنّ الثورة السورية خلقت نوعا من الانقسام الحاد في بنية هذه الكتل ففي كل عشيرة من عشائرها نجد المؤيد للثورة بكل أطيافها من اليمين لليسار والحيادي والواقف مع نظام الأسد والمؤيد لتنظيم الدولة، الأخير أدرك أهمية العشائر ودورها الاجتماعي خاصة أن معظم قياداته هي من بيئة عراق الأنبار السنية العشائرية فعمد إلى تشكيل ديوان العشائر حيث اعطاه صلاحيات اجتماعية وفي بعض الأحيان إطلاق بعض المعتقلين الذين يريد التنظيم بالأصل الأفراج عنهم بقصد تعويم هذا الديوان، دون أن يعطيه أي صلاحية قيادية أو اجتماعية تسمح له بتكوين تكتل قوي خاص به بل ووضع في رئاسة هذا الديوان شخصية ليست من أهل “الشيخة” كما في المصطلح العشائري الدارج وهو “توباد الهادي” وهو الذي ولد في العراق حيث أنّ والده هرب إلى العراق على خلفية نشاطه في حزب البعث اليميني الجناح العراقي حيث أنه يعتبر من نفس البيئة التي أخرجت قيادات التنظيم.


كذلك حاول التنظيم توريط العشائر العربية في المنطقة بهدف ربط مصير العشائر ببقاء التنظيم فحينما انتزعت وحدات حماية الشعب مع بعض العشائر العربية مدينة تل أبيض وخوفا من تقدم تلك القوات أكثر وتهديد الرقة عمد التنظيم إلى طرد الأكراد من المدينة ووقع بيان الطرد باسم ديوان العشائر علما أنّه ليس من مهامه بل هكذا قرارات تتخذ من قبل المكتب الأمني ولكن جُعلت العشائر في الواجهة بهدف نقل الصراع إلى كردي عربي بحيث يظهر أنّ العرب هم من قاموا بتهجير الكرد من المدينة.

إنّ أي قوات ذات طابع عشائري صرف تحاول طرد داعش من المدينة سيكون مصيرها الفشل، هناك المئات من أبناء المدينة الذين يقاتلون في مختلف كتائب الجيش الحر على امتداد الأراضي السورية، هم القادرون على تحرير مدينتهم ومسك الأمن فيها والحفاظ عليها لكنهم لم يروا من يمد لهم يد عون صادقة دون أن يكونوا مشاريع مرتزقة أو أجندة مشبوهة ذات أهداف انفصالية أو مناطقية وهؤلاء هم المفتاح الحقيقي لتحرير المدينة فمن يريد تحريرا حقيقا ً عليه أن يتوجه إليهم، وهنا يبرز السؤال الكبير هل فعلا يوجد من يريد تحرير الرقة .