تركيا وسباق التدخل العسكري

الرقة تذبح بصمت

بدأت تركيا اولى عملياتها في الشمال السوري٬ بقصف مواقع لتنظيم داعش على طول الشريط الحدودي لها مع سوريا٬ إضافة إلى دعم وتسليح عدد من فصائل الجيش الحر٬ والتي اتخذت من تركيا قاعدة انطلاق لها نحو جرابلس الحدودية والتابعة إدارياً لريف حلب الشرقي٬ والتي تحتوي أخر المعابر بين سوريا وتركيا والتي يسيطر عليها التنظيم، وبحسب التلفزيون التركي فقد تم قصف أربعة مواقع لتنظيم داعش بنحو ٦٠ قذيفة في صباح اليوم الثلاثاء٬ وذلك عقب سقوط عدد من القذائف على مدينة كركميش التركية (جنوب شرق) مصدرها مدقعية التنظيم المتمركزة على الشريط الحدودي في جرابلس.

وفي وقت سابق من العام الحالي٬ أعلن وزير الخارجية التركية٬ مولود جاوش أوغلو, أنّ أنقرة عرضت على واشنطن القيام بـ “عمليات مشتركة” ضد تنظيم داعش في سوريا٬ شريطة الأ تشارك بها القوات الكردية والتي تعتبرها إرهابية في حين تعتبرها واشنطن حليفة لها.

إلا أنّ تلك الدعوات لم تلق أي اهتمام من قبل المسؤولين الأمريكيين٬ الذين يتخبطون في سياستهم الخارجية في كل من العراق وسوريا وفق ما أكد ذلك مراقبون.

وبعد أن حاولت تركيا مراراً دغدغة المشاعر الأمريكية في محاولة منها لكسب دعم جديد هي في أمس الحاجة إليه٬ عقب دعم الأخيرة للمقاتلين الأكراد والذين يشكلون الخطر المتنامي على الدولة التركية٬ صرح وزير الخارجية التركي: “إذا جمعنا قواتنا، لديهم (الأمريكيين) قواتهم الخاصة ولدينا قواتنا الخاصة فيمكن لهذا التحالف بسهولة السيطرة على مدينة الرقة”، ولا نعلم عن أي سهولة يتحدث وزير الخارجية التركي في حين أن استعادة الرقة وإن كان ممكنًا على أرض الواقع إلا أنه ليس سهلاً بالمرة ويبدو مأمورية صعبة في الوقت الراهن لعدة اعتبارات.

تصريح وزير الخارجية التركي الذي يراه البعض محاولة لسحب البساط من الأكراد الذين يتلقون الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الروس وغيرهما، لم يلق أي رد فعل إيجابي من قبل واشنطن وهو ما أثار عديد من نقاط الاستفهام وخاصة مدى جدية واشنطن في التعاون مع الأتراك في حربها ضد تنظيم داعش والتي دخلت عامها الثاني.

من المؤكد أن الخطر الكبير على تركيا هو قوات “سوريا الديمقراطية” التي لا تزال تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردي، حيث تعتبرها تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ولهذا فإن أمريكا بين نارين، فإما دعم للأكراد ومساعدتهم على قيام الدولة الكردية القومية والتي بدأت فعليًا خطواتها الأولى بإعلان النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال سوريا في شهر أذار الماضي، وإلا محاربتهم من أجل عيون القيادة التركية وهو أمر يستحيل على القيادة الأمريكية أن تقبل به وذلك لكي يظل الأكراد ورقة ضغط تستخدمها متى شاءت.

أمر آخر بالغ الأهمية ولا يقل خطورة عن السابق، وهو أن القوات البرية التركية والأمريكية والدولية عامة مازال لم يحن وقت نزولها إلى الميدان بعد، فمادام هناك٬ قوات مدربة من الجيش الحر و”ميليشيات” فلماذا تضحي الدول المتداخلة في الشأن السوري بقواتها النظامية خاصة وأنها بذلك ستقدم هدية ثمينة لتنظيم داعش الذي ينتظر الفرصة بفارغ الصبر، فهو في كل مرة يعلن التحدي ويطلب من جيوش دول التحالف النزول على الأرض لقتاله.

“الحرب” السورية مازالت لم تكشف بعد عن كل أوراقها، ولا نعلم ماذا تخفي الأيام المقبلة لتركيا “أردوغان” ولسوريا المدمرة والمقسمة، لكننا متأكدون أن الحرب لن تقف وأن الخسائر ستكون أكبر مادامت المؤامرات تنسج خيوطها في أقبية المخابرات الأمريكية والغربية والعرب ينفذونها بعلمهم وبدون علمهم.