الرقة تذبح بصمت – قراءة في أحداث الاسبوع

تركية، الديمقراطية انتصرت، والأسد خارج التغطية!، وهل بدأ تحول دولة داعش من “باقية وتتمدد” إلى “فانية وتتآكل”؟!، لماذا ينظر العالم لنا بالعين العوراء؟!

تحليل هذه الأخبار وغيرها في”قراءة في أحداث الأسبوع”

 

تركية، الديمقراطية انتصرت

لا شكّ أن السياسة التركية بعد الانقلاب ستختلف عمّا قبله، فقد قدّم الانقلابيون من حيث لا يعلمون خدمات جليلة لحكومة حزب العدالة والتنمية، فبعد أن وصلت الحكومة بالشرعية الديمقراطية تحوز الآن إضافة لذلك الشرعية الثورية عقب نزول الشعب التركي بشكل غير مسبوق للشارع نصرة للنهج الديمقراطي بعد أن كان يقف متفرجاً عما يسفر عنه الانقلاب، فالشعب الذي ذاق حلاوة الحرية ورأى مكتسبات الديمقراطية يرفض أن يجعله نفسه رهينة للديكتاتورية العسكرية، فمساوئ أي حكم ديمقراطي مهما بلغت من السوء تبقى أفضل بكثير من حسنات الاستبداد إن كان للاستبداد ولا سيما العسكري حسنات.

ولم تعد تخشى حكومة العدالة بعد هذه الثقة الشعبية شيئاً، فالجيش (العلماني) الذي كان مصدر تهديد وقلق انحاز لقرار الشعب، وتجري حالياً عملية تطهير يدعمها الشعب التركي ليكون جيشاً وطنياً تركياً بعيداً عن شعارات فضفاضة لا تغني وتسمن من جوع، فالنظام السوري رفع عقوداً راية العلمانية والقومية شعاراً لكنه مارس الطائفية والعداء للعروبة واقعاً، فالجيش التركي أثبت أنه جيش تركي بعيد عن كل تلك اللواحق الزائدة.

وتوضح ردود الفعل الدولية المنزلة القادمة لتركيا، فتركيا لن تخضع للإملاءات الأمريكية كما السابق بعد أن جذّر الانقلاب التجربة الديمقراطية في تركيا. ويتوقع بالتالي أن يكون الموقف التركي أكثر تأثيراً وفاعلية في الملف السوري وغيره، وسيقوي الموقف التركي المواقف الداعمة للثورة السورية، وسيكون رافعة لهذه المواقف، فبدا فشل الانقلاب حقيقة نصراً للثورة السورية، فمن شاهد ابتهاج شبيحة النظام بالانقلاب، وقلق الثوار أدرك تأثر سورية بما يجري بتركيا، فالسوريون الأحرار يتطلعون للخلاص من استبداد العسكر، ولا سيما أنه استبداد ممزوج بنكهة طائفية، فهل يلمس السوريون تحولاً ملموساً عمّا قريب أم ينتظرون ردحاً من الزمن؟.

 الإرهاب عابر للحدود

مقتل أكثر من 80 في عملية دهس إرهابية في مدينة نيس جنوب فرنسا، وقرابة 18 حالة حرجة. رغم أن منفذ الهجوم لديه سجل جنائي ومعروف أنه بعيد عن التدين، ولكن تبقى العملية نتيجة المظلومية بالنسبة للبعض في أوربا كما يرى محللون. أكد هذا الهجوم الإرهابي بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي ليست عسكرية وحسب، وأنّ الاقتصار على المعالجة العسكرية وحدها يزيد من شراسة وهمجية الإرهاب.

ونزعم هنا أن فرنسا والمجتمع الدولي يتحملون جزءاً من المسؤولية، فقد تركوا الإرهاب ينهش السوريين، ويسرق ثورتهم وحياتهم ومستقبلهم جهاراً نهاراً دون أن يحركوا ساكناً. ينبغي أن نعرف أن جذور الإرهاب سياسية وفكرية، وما الدين إلا مطية، فالإرهاب الداعشي نما وترعرع نتيجة أزمة سياسية يعيشها السوريون والعراقيون، فغياب أفق حل سياسي عادل في البلدين وتعرض مكوّن عريض لظلم ممنهج مدروس من حكومات تدعي الشرعية وتُدعم من قبل المجتمع الدولي ولّد حالة إحباط ويأس دفعت كثيراً من الشباب للانحراف نحو التطرف.

وما ساعد على ذلك غياب الخطاب الفكري العقلاني عن الساحة، ويبدو طبيعياً غياب هذا الخطاب بل وضعفه بالإقناع حال وجوده في ظل الظلم الممارس. يشعر الشباب العربي أن ثمة مؤامرة كبرى من قبل المجتمع الدولي على مشروع الحريات في البلدان العربية، ويستند هذا الإحساس لوقائع، فالغرب يدعم حكومة العراق الطائفية، ويدعم الأسد في سورية، ودعم السيسي في انقلابه، ويدعم حفتر سراً رغم عدائه لحكومة الوفاق الوطني.

وبالتالي فإن أرواح الفرنسيين وقبلهم الأتراك وقبلهم السوريون والعراقيون، ولا نعلم من سيأتي مسؤولية كل من يقف ويعطل مشروع الحرية التي كان يحتفل بها الضحايا في نيس، فظلام الإرهاب يتلاشى حتماً أمام نور الحرية.

 الأسد خارج التغطية

أجرت  شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية مقابلة تلفزيونية مع بشار الأسد.

بدا بشار الأسد في المقابلة مفصولاً تماماً عن الواقع وغبياً، فمازال بشار الأسد يعتقد أنه بالإمكان خداع العالم بعد أن انكشفت سوءته وبانت عورته، فشماعة الإرهاب لا تستطيع التغطية على جرائمه وممارساته، ولن يسجل التاريخ حقيقة أن بشار كان ديكتاتوراً فالديكتاتور يملك القوة، وبيده الحل والعقد، بل سيسجل التاريخ اسم بشار كحاكم أجير قتل شعبه وباع وطنه بثمن بخس ليحمي له سادته عرشاً، عن أي سيادة يتحدث بشار الأسد وهو الذي جعل سورية نهباً للجميع، أية سيادة في بلد لم يعد للدولة سلطة على حدود ومطارات؟! أية سيادة لبلد لا تملك الدولة التحكم فيها بسمائه وأرضه؟! أية سيادة لبلد لم يعد فيه جيش؟! أية سيادة لجلب مرتزقة الدنيا الطائفيين لقتال السوريين وقتلهم؟!

ألا يخجل الأسد من نفسه عندما يقول: لم نتخذ أي قرار لمهاجمة أي منطقة ليس فيها إرهابيون أو لا يقصف منها الإرهابيون المدن المجاورة؟! لو كان الحديث عن شارع أو قرية أو مدينة أو محافظة أو حتى جهة معينة من سورية لسلمنا للأسد بكلامه، لكنه يتحدث عن سورية ثائرة فكيف يتهم رئيس شعبه بالإرهاب، وإن تحول الشعب لإرهابيين فهو غير جدير بالحكم، وإن سيطر الإرهاب على كل هذه المساحات فذلك لا يبرر تدمير المدن وحرقها بمن فيها بل يتطلب تحريرها.

وبدا غباء الأسد مضحكاً عندما حمل الصحفية ماري كولفن مسؤولية قتل نفسها، فكيف تطلب من الصحافة الحرة أن تأخذ إذناً من حكومة لا تسيطر إلا على 20% من البلاد. وظهر الأسد كمحترف للكذب والنفاق عندما تحدث عن القيم والمبادئ في السياسة الروسية، وظهر كمن يخطب ود بوتين، ويقدم له فروض الطاعة والولاء.

يجدر بالأسد الامتناع عن هذه اللقاءات لأنها تجعل منه أضحوكة ليس في أعين السوريين وحسب بل في عيون من يجرون معه المقابلات، فالحقيقة ساطعة كالشمس، وليس بمقدور غربال الأسد تغطيتها.


معارك الملاح، وشبح الحصار

نجحت الميليشيات الطائفية ولو مؤقتاً بمؤازرة الطيران الروسي بحصار نصف مليون مواطن سوري في حلب المحررة عقب قطع طريق الكاستيلو نارياً. لن نتحدث عن الجانب الإنساني والأخلاقي الغائب عن السياسة الروسية، فالمندوب الروسي بالأمم المتحدة تشوركين يتحدث عن حصار إرهابيين.

لم يستسلم الثوار لهذه الهجمة الشرسة، ويبدو ثمة أمل بإعادة فتح الطريق، فأرض الملاح ما زالت تشهد معارك ضارية، وتمكن الثوار من إيلام القوات المهاجمة وتكبيدها خسائر فادحة. ولدى الثوار كما أثبت الواقع بدائل وخيارات، ومحال أن تكون حلب كحمص لاختلاف المعطيات، وليس أدل على ذلك من الهجوم المباغت للثوار على حلب القديمة والسيطرة على العقبة وفندق الأمير وسوق الهال وفرع المرور وتكبيد النظام خسائر فادحة بالأرواح.

حمل الهجوم رسالة واضحة بأن قطع طريق الكاستيللو سيعيد خارطة المعارك في الداخل، وستهاجم حلب في العمق مما يفقد الكاستيللو أهميته. وبالمقابل لا يستبعد متابعة جيش الفتح تقدمه بالريف الجنوبي، وبالتالي يفتح الثوار طريقاً لهم، ويتحول النظام من محاصِر لمحاصَر، ويستشف ذلك من كلام الرائد ياسر عبد الرحيم قائد غرفة عمليات حلب الذي كذّب رفض الغرفة التعامل مع جيش الفتح، وأكد ياسر أن ثمة تعاون قريب جداً بين فتح حلب وجيش الفتح.

ويريد الروس أن تكوم معركة حلب صك استسلام تقدمه المعارضة، ولكنهم مادروا أن حلب ستكون بوابة هزيمتهم، وستثبت الأيام ذلك.

هل بدأ تحول دولة داعش من “باقية وتتمدد” إلى “فانية وتتآكل”؟!

داعش يخسر القيارة قرب الموصل، ويقترب من خسارة منبج

تتوالى هزائم داعش في العراق وسورية، فخسارته قاعدة القيارة قرب الموصل يؤشر على قرب معركة الموصل، فالحصار يقترب رويداً رويداً من المدينة، وليس بوسع داعش سوى انتظار حصارو تدمير المدينة ليخرج منها لاحقاً كما فعل بالفلوجة وقبلها الرمادي، وكأن مهمة داعش تدمير مدن السنة مرات عدة، مرة بإرهابه وظلمه، ومرة بإيجاد مبرر تدميرها، ومرة بتسليمها لميليشيات طائفية حاقدة.

ويجري الأمر ذاته في سورية، ففي العراق يعزز التنظيم الحكم الطائفي ويدعمه، وفي سورية يسهم بتشظي سورية وبناء دويلة كردية، فلم يكتف التنظيم بالانسحاب من المناطق الكردية كعين العرب ورأس العين بل انسحب من المناطق العربية كصرين وسلوك وتل أبيض وقريباً منبج، ولا نعلم القادم.

كان قيام “دولة الخرافة” باقية وتتمدد وبالاً على السنة والخيار الوطني في سورية والعراق وتشويهاً للإسلام،واليوم فناء وتآكل هذه الخرافة لا يقل ضرراً عن قيامها.

 كيري في موسكو، ودي ميستورا يتحدث عن أيام حاسمة

أجرى وزير الخارجية الأمريكي في موسكو مباحثات تتعلق بالشأنين السوري والأوكراني وتأتي المباحثات الروسية الأمريكية في وقت يشهد فيه الملف السوري جموداً مريباً، فيبدو الطرفان غير مستعدين حالياً لحلّ المسألة السورية. ورغم تصريحات المبعوث الدولي دي ميستورا بأن الأيام المقبلة تعتبر حاسمة بالنسبة للوضع في سورية فلا يتوقع أن يحصل تطور مهم قبل نهاية ولاية أوباما، وتصريحات دي ميستورا تأتي في إطار تبرئة الذمة، والضغط على اللاعبين الرئيسين، وما يؤكد ذلك دعوة المبعوث الدولي لوضوح :”كيفية وقف القصف العشوائي، وبعض الأفكار عن الانتقال السياسي لتحديد موعد جولة لمحادثات السلام الرامية لوقف النزاع السوري” فالطريق واضح عند المبعوث الدولي ويتمثل بأمرين واضحين، وقف القتل والدخول في انتقال سياسي حقيقي.

وهذا حقيقة ما يرفضه الروس بقصفهم المدنيين وحصارهم مدينة حلب المحررة التي يقطنها تصف مليون يعتبرهم تشوركين إرهابيين، يوحي كلام المبعوث الدولي حقيقة باليأس، ويكشف أن المأساة السورية سببها الروس والأمريكان اللذان جعلا من دماء السوريين ورقة مساومة.

ولم يعد بمقدور اللاعبين الإقليميين لعب دور ما، فلهذه الدول ما يشغلها عن المأساة السورية، ورضيت على ما يبدو بالمساحات الضيقة وإن كان ذلك على دماء السوريين.

أتعتذر تركيا من الأسد؟!

علي يلدريم: نسعى لبناء علاقات جيدة مع سورية والعراق من أجل الاستقرار ومكافحة الإرهاب. أثار تصريح رئيس الوزراء التركي الاستغراب والدهشة فما هي العلاقات الجيدة التي تسعى لها تركيا،وما الاستقرار الذي سيترتب عنها، وما الإرهاب الذي سيكافح. تدرك تركيا قبل غيرها أن سياسات الاستبداد والطائفية تقف وراء حالة اللااستقرار، وهي من فرّخت الإرهاب

ويبدو واضحاً أن الحكومة التركية أضاعت البوصلة، وجعلها تتخبط في تصريحاتها إذ سرعان ما تدارك رئيس الوزراء التركي تصريحه الأول قائلاً: لا تغيير في موقف تركيا من النظام السوري، وقبل كل شيء بشار الأسد يجب أن يتغير، وبدون رحيله لن تتغير مواقف تركيا حيال سورية.

لا شكّ أن عودة العلاقات التركية الروسية سينعكس السياسة التركية في سورية، وتجد تركيا صعوبة في إعادة العلاقات مع بشار الأسد ورغم عدم استبعادنا لذلك، فالعلاقات الدولية تعتمد لغة المصالح لا المبادئ، فمصالح تركيا لا يمكن أن تكون مع سورية يحكمها الأسد لأن ذلك سيكون كارثياً على الحكومة التركية.

يتوهم أولئك الذين يعتقدون أن أردوغان هدف من خلال دعم الثورة السورية تحقيق مصالح السوريين وحسب، فدعمه كان محدوداً ومكبلاً حتى بات مأجوراً، فهو قد اعتذر عن إسقاط طائرة كانت تقصف سوريين تركمان، وهذا الاعتذار يؤكد أن المصالح تتقدم على المبادئ، وبالتالي استبعادنا لعودة العلاقات مع بشار سببه تعارضه مع مصالح تركيا لا مع المبادئ، وليس أدل على ذلك من استعداده لعودة العلاقات مع حكومة العراق التي لا تقل سوءاً عن حكومة بشار.

لماذا ينظر العالم لنا بالعين العوراء؟!

منظمة حظر السلاح الكيماوي: نظام الأسد يحتفظ للآن بأسلحة كيماوية غير معلنة. ليس غريباً أن يكذب نظام الأسد ويدلس في كشف مخزونه من السلاح الكيماوي، فمن يفرض بالسيادة، ويبيع سلاح البلاد الاستراتيجي ويقتل نصف مليون ويهجر أكثر من 10 ملايين يسهل عليه الكذب في موضوع كهذا.

إنما الغريب صراحة طرح الموضوع في هذا الوقت الذي يتحدث فيه دي ميستورا عن أيام حاسمة إذ يخشى السوريون أن يتم بيعهم في مساومة جديدة، فلم يعرف السوريون من القوى الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي غير ذلك.

طائرات النظام تتهاوى، فما السر؟

أسقط تنظيم الدولة طائرتين للنظام السوري ميغ في دير الزور ومروحية قرب قرية البيطارية أطراف الغوطة الشرقية، يذكر هنا أن جيش الإسلام أسقط الأسبوع قبل الماضي طائرتين حربيتين، وذلك يطرح عدة أسئلة منها: هل العيب في الطياريين السوريين حتى يتمكن الثوار غير العسكريين من إسقاط الطائرات الحربية بأسلحة توصف بالبدائية، أم أن العيب في الطائرات المتهالكة؟

 أياً تكن الأسباب فإن طائرات الأسد تتهاوى، والأسد يدفع جراء ذلك كلفة كبيرة لن يستطيع الاستمرار بها، ونقول الأسد لأنه حصر الدولة السورية وميزانيتها في شخصه، وقد يكون من المضحك المبكي أن يسر السوريين بإسقاط طائرات دفعوا ثمنها من أموالهم، لتجعلهم اليوم يدفعون أرواحهم.

مؤشر يوضح أن الأزمة مستمرة

الولايات المتحدة تعلن استقبالها 10 آلاف لاجئ سورية قبل نهاية شهر أيلول. قد يعطي هذا الخبر إضافة لكثير من المؤشرات دليلاً على أن الأزمة السورية ما زالت بعيدة عن الحل، فالدول الكبرى ومؤسسات الأمم المتحدة تبني برامجها وفق معلومات، وَلا شك أن معلوماتهم ولا سيما إذا كانوا دولاً عظمى كأمريكا مبنية على حقائق.

ويدفعنا هذا لرسم سياستنا العسكرية والسياسية والاقتصادية والإغاثية على المبدأ ذاته، فلا يعقل أن نؤجل التعليم وغيره بَانتظار الأزمة، فانتظار ذلك وغيره يعني انتظار ضياع المستقبل.