بين حلب والرقة: مجازر سوريّة لا تنتهي

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.


خاص – الرقة تذبح بصمت

لليوم الثاني عشر على التوالي تواصلُ القوات الجوية الروسية – السوريّة هجماتها المُكثّفة على مدينة حلب مركزة ً قصفها على الأهداف المدنية والمنشآت الحيوية (مشافي ــــ أسواق) والتي تقدّم الخدمات الأساسة لمن تبقّى من المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السوريّة، مجزرة مشفى القدس التي فتّحت عيون العام من جديد على المجازر الروسية والأسدية بحق المدنيين السورييّن في محاولة من الأسد وحلفائه من إنهاء كافة مظاهر الحياة في المدينة المأهولة منذ فجر التاريخ.

هذا الاهتمام وحملات المناصرة التي بدأها ناشطون سوريّون ومتضامنون معهم حول العالم، باستخدامهم للوسم التويتري (الهاشتاغ) #حلب_تحترق وبالإنكليزية (#AleppoIsBurning) الذي وصل إلى صدارة الترتيب العالمي وخصوصاً في يوم 29 نيسان الفائت، وأيضاً تصدّرت أخبار حلب نشرات الأخبار العالمية وكُتب عنها الكثير في الجرائد العالمية وصبّ الكثير من كتّاب الرأي الأمريكيين جام غضبهم على سياسة أوباما التي سلّمت سوريّة لبوتين ودعوه لإنقاذ حلب من براثن السفاحين الروسي(بوتين) والأسدي بشّار على ما غرار ما حصل في البوسنة والهرسك سابقاً.

في غَمرة الاهتمام الدولي بما يحدث في حلب وأثناء محاولات الأطراف الدولية لَملَمة الأوضاع هناك وإلحاق حلب بالهدنة المُؤقّتة التي أُعلنت بشكل جزئي في ريفي دمشق واللاذقية، خرج تصريح لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية “سيرغي رودسكوي” أكدّ فيه إنّهُ يتم التحضير لعملية عسكرية لفك الحصار عن دير الزور، فيما أضاف مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف “ألكسي بورودافكين” قائلاً : “هكذا تعمل القوات المسلحة السورية بدعم من القوات الجوية الروسية، ونتيجة هذا العمل تم تحرير تدمر، والآن يجري الإعداد لعمليات هجومية لاحقة باتجاه دير الزور والرقة. ضد هذه المجموعات بالذات مثل “النصرة” تدور المعارك في حلب وبعض الأماكن الأخرى”، بالطبع لم تتأخر تصريحات المندوب الروسي لتغدو أمراً واقعاً.

حيث شنّت المقاتلات الحربيّة غارات على مدينة الرقة ليلة أمس والتي لم يصرّح أحد عن مسؤوليتها، ففي ليلة الأثنين الثاني من أيار/ مايو أكثر من 24 غارة على المدينة مخلفة ًأكثر من عشرين شهيداً وأكثر مـن خمسين جريحاً ومستهدفة ًالمرافق والمنشآت الحيوية (محطات التحويل الكهربائية ـــ مطاحن الحبوب) لتزيد من معاناة المدنيين الذين يرزحون أصلاً تحت ظروف معاشية مزرية، فيما يقوم تنظيم داعش بنقل مقراته وتفريق عناصره بين المدنيين بُغية التَّخَفّي عن الأنظار، مع العلم إنّ غارات التحالف الدولي التي ما تكون عادةً أكثر تركيزاً وأكثر دقةً في إصابة أهداف لداعش والمنتسبين لها لكنهّا في الفترة الأخيرة باتت تستهدف المدنيين أيضاً، هذه الغارات لم تؤّثر تأثيراً ملموساً فما بالك بغارات النظام وحلفائه الروس التي غالباً ما تكون غارات “انتقاميّة” من المدنيين و”دعائية” في سياق الحرب المزعومة ضد الإرهاب التي يرفع شعارها الأسد ومن ورائه حلفائه الروس والإيرانيين، الحرب الدعائية التي كان من أبرز نتائجها المسرحية الهزلية والممجوجة التي شاهدها العالم أثناء استلام وتسليم تدمر من نظام الأسد إلى داعش.

هذه الافتراضات والاتهامات لنظام الأسد بالتساهل والتعاون مع داعش ضد الثوّار السورييّن أكّدتها وثائق مسربة حصلت عليها صحيفة “التايمز البريطانية”، الصحيفة التي نشرت مقالاً يتضمن وثائق حصلت عليها الجريدة من منشقين عن داعش توضح التنسيق الحاصل بين نظام الأسد وداعش في مجال تجارة النفط غير المشروعة، وأيضاً تدعم هذه الوثائق الادعاءات السابقة حول تساهل  الأسد مع داعش ورعايتها في الكثير من الأحيان لدحر أعداءه في المعارضة السوريّة وتطويقهم وهذا ما تجلّى مراراً وتكراراً وخاصة ً أن تنظيم ‹‹ داعش›› يعتبر قتال الجيش الحر الذي يصفه بــ “المرتدين” تارة ً وبـ “الصحوات” تارة ً أخرى، أولوية لديه على قتال نظام الأسد “النصيري” كما يسميّه عناصر التنظيم.

كلُّ ما سبق يقوّض البروباغندا التي تصوّر النظام وحلفائه بوصفهم المحاربين الشرعيين للإرهاب وحماة العالم منه والتي تستخدمها أدوات النظام الإعلاميّة والمنصات الإعلاميّة لحلفائه سواءً في قنوات الممانعة اللبنانية أو قناة روسيا اليوم ((التي فضحها قبل أيام ناشطون سوريّون عندما كشفوا استخدامها لصور بثّتها على إنّها قصف للمعارضة على أحياء تقع تحت سيطرة النظام في حلب بينما هي صور لقصف النظام السوري لأحياء تقع تحت سيطرة الثوار السورييّن))، زيف الادعاءات بالحرب على الإرهاب بات واضحاً وجليّاً وتطالعنا كل فترة العديد من الوثائق والتسريبات التي تؤّكد العلاقة “الحميمة” والموضوعية بين تنظيم ‹‹ داعش›› ونظام الأسد الكيماوي، إلاّ أنّه وفي كل اختبار أو استحقاق يواجه النظام سواءً أكان سياسياً أو عسكرياً يلجأ النظام لخلط الأوراق فينسحب ‹‹ داعش›› لمصلحته كما حصل في تدمر مؤخراً، أو تبدأ الطائرات الروسية والسوريّة قصفها لأهداف مدنية بحتة ومنشآت تقدّم الخدمات العامة لأهالي المناطق الواقعة تحت احتلال‹‹ داعش›› كما حصل في الرقة السوريّة يوم أمس، فلا ضيرَ ولا غضاضةً أن يُقصفَ “مدنيّو” الرقة ودير الزور باعتبارهم “حواضن شعبية” للإرهاب والسكوت والتواطؤ الدولي واضح في هذا المضمار، بل إنّ العديد من السورييّن مع الأسف دعوا مرّات عديدة لقصف الرقة لإثبات حسن النوايا وصدقها في مكافحة الإرهاب.

الاستراتيجية العقيمة في مواجهة تنظيم ‹‹ داعش›› من خلال الغارات الجويّة أثبتت فشلها منذ تشكيل التحالف الدولي ضد داعش وحتى الآن، وعلى الرغم من مقتل العديد من قيادات الصف الأول كالقائد العسكري للتنظيم “أبو مسلم التركماني” والجهادي البريطاني “جون” وغيرهم، إلاّ إنّ الحل الأمثل والأنجع لدحر التنظيم يكمن بالقضاء المتزامن على المُسبّب الرئيسي لتواجد التنظيم وتمدده وهو رأس النظام المتواجد في دمشق ودعم العناصر المحليّة المتمثلة بالجيش الحرّ الذي أثبت رغم كلّ الصعوبات والتحديّات إنّه التشكيل الأكثر جدية ّ والأكثر كفاءةً في حرب التنظيم إنْ توفر له الدعم الكافي والغطاء الجوي كما يعامل غيره.

الحديث عن الحلول المتعلّقة بإنهاء “المظلوميّات” التي يعاني منها “العرب السُنّة” في سورية والعراق بات أمراً بديهياً ومعروفاً للقاصي والداني، وأيضاً ضمان أنّ الأطراف التي تحارب التنظيم لا تكرّر أفعاله كما حصل في الاستعراض الهمجي لجثث مقاتلين من الجيش الحرّ في بلدة عفرين التي تسيطر عليها “وحدات الحماية الشعبية” الذراع العسكري لحزب العمّال الكردستاني بنسخته السوريّة والتي تصنفه الولايات المتحدة على إنّه تنظيم إرهابي، هذا من شأنه أن يعزّز مناخ الكراهية والأحقاد التي قد تعطي‹‹ داعش›› فرصاً في تغذية خطابه الإيديولوجي والعقائدي والذي يحاول ترويجه و مُفاده: بإنّه هو الحامي والمدافع عن حقوق “السُنّة” بينما إنّ الحقائق تشير إنّ أكثر المُتضرِّرين والمكتوين بناره كانوا هم أبناء المحافظات “العربيّة السُنّية” في العراق وسورية.

Founder of Raqqa is being slaughtered silently, journalist featured in film "City of Ghosts".