داعش بين الانحسارين السوري والعراقي

داعش بين الانحسارين السوري والعراقي

خاص – الرقة تذبح بصمت

نراقب جميعاً انحسار داعش في بعض المناطق السوريّة بدءاً من تدمر والقريتين في الريف الحمصي وصولاً إلى ريفي حلب الشمالي والشرقيّ، وهو ما يقابله انحسار آخر في العراق نتج عن فقدان التنظيم للرماديّ وجزْءاً من هيت غرب الأنبار إلى جانب ما يعانيه من حصار في الفلوجة يدفع ضريبته سكانها الذين يعايشون كارثة حقيقية كونهم أصبحوا بين فكي كمّاشة الحكومة العراقيّة متمثلة بالمليشيات الشيعية ذات الطابع الطائفي من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى.

وكان التنظيم قد انتقل مؤخراً في غالب مناطق سيطرته من مرحلة الهجوم إلى الدفاع تحت وقع الغارات الجوية المنهكة وفي ظل تشتت قواه على جبهات عدة في سوريا والعراق، فاقداً عنصر المبادرة الذي أرهب به أعداءه طيلة السنوات الماضية، ناهيك عن خسارته بعض أبرز قادته من الصّفّ الأوّل كـ “أبي مسلم الخراساني” و”أبي عمر الشيشاني” و”العفري” و”أبي علي الشرعي” سيّاف التنظيم في الرقّة.

ويشكّل هؤلاء القياديون ضمن الهرمية التي يعمل بها التنظيم نقاط ارتكاز مهمة سواء في المعسكرات أو الجبهات القتالية أو المحاكم التابعة له، يضاف إلى ذلك خسارته للقوى الإنتحارية التي يعتمد عليها كعنصر أساسي في المعركة، ففي حين انزوى التّنظيم وتراجع بين عامي ٢٠٠٧-٢٠١٠ مع بروز ما أسماها “الصحوات” في العراق، عاد مجدداً عام 2011 عن طريق استغلال الثورة السوريّة والاستفادة من الواقع السوريّ المنقسم، وكذلك احتجاجات ومناهضات الشعب العراقيّ لسياسة نوريّ الماكيّ رئيس الوزراء السابق، ليوسع بذلك رقعته الجغرافية ويستفيد من الموارد النفطية والزراعية في أماكن سيطرته.

وعلى خلفية هذا الانحسار في سيطرة التنظيم، بدأ يفقد الرّوح المعنويّة والصّورة الإعلاميّة التي أولاها العناية الأكبر من خلال إصداراته الهوليوديّة المتمثّلة بالأفلام المرعبة التي توعد خلالها كل من يقف في وجهه، علماً أنّه خُلق من بذرة الفوضى وتضارب المصالح بين القِوى الدوليّة والإقليميّة والمحليّة التي استثمرته لتحقيق مصالحها فكانت له فرصة ليعيد نشأته ويثبّت نفسه.
ومع تبدّد الصّورة الضبابيّة للدول العظمى والتحول في الموقف التركيّ واتّفاق روسيا وأمريكا وتقاسمهما الأدوار في العراق وسوريا لمواجهة التنظيم من خلال العمليّات العسكريّة وصبّ الجهود الرامية لتبديده، بدأ تحجيم دور الأخير وقطع الموارد النفطيّة عنه، وهو ما أعطى النظام السوريّ بالتالي قوّة دفع كبيرة لمواجهة التنظيم في تدمر، وقوى المعارضة في الريف الحلبي، وكذلك الحال بالنسبة لميليشيا الحشد الشعبيّ في العراق والمليشيات الكردية في ريف الرقة.

ولم يُخلق العامل البنيويّ الذاتيّ للتنظيم بين ليلةٍ وضحاها، فإيديولوجيته على المدى الطويل كانت تحمل في ثناياها يوم انتهائه، فما لبث أن بدأ طور الازدهار حتى دخل في طور الخراب الذي يدفع ثمنه باهظاً المجتمعين السوريّ والعراقيّ، اللذين تلاحقهما أعمال القتل والتجويع والهجرة وغيرها من أعمال القهر والتشريد.
وفي إطار هذه المعطيات يظهر السؤال “هل انحسار داعش هو بداية لمرحلة جديدة تعني خروجه من مشهد الصراع في المنطقة؟”، لكّن ذلك يبقى رهن تطوّرات المشهدين السياسيّ والعسكريّ في سوريا والعراق والخطة ب التي يعتمدها التنظيم في تفكيك التحالف الدولي وإشغاله في أمنه الداخلي وإضعاف مشاركته بسبب ضغط الرّأي العام الداخلي عليه وصناعة فوضى عنصريّة ودينيّة في الغرب.